ZouNa
اهلا وسهلا بيك زائرنا الكريم نتمنى ان تسجل معنا

بعد التسجيل ستتلقى رسالة في بريدك افتحها واضغط على الرابط الموجود بها لتنشيط عضويتك


ZouNa
اهلا وسهلا بيك زائرنا الكريم نتمنى ان تسجل معنا

بعد التسجيل ستتلقى رسالة في بريدك افتحها واضغط على الرابط الموجود بها لتنشيط عضويتك

ZouNa
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ZouNaدخول

منتدى احترافي يقدم كل ما هو جديد و مفيد في عالم التقنية الحديثة


descriptionحـــــــــزب فـــرنــســا Emptyحـــــــــزب فـــرنــســا

more_horiz
حـــــــــزب فـــرنــســا 1









مدخــــــــــل



إن
الوضعية التي تعرفها الجزائر الآن خطيرة جدًا وعلى جميع الأصعدة، فلم تعرف
الجزائر قط مثل هذا العنف منذ استقلالها عام 1962. وتعود أسباب الأزمة
السياسية إلى طبيعة النظام نفسه.

لقد
أدى غياب الديمقراطية والحريات والشفافية في تسيير المؤسسات، وغياب فصل
السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، زيادة على المواجهة بين جماعات
القوى في دواليب النظام، وهذا خلال العشريات الأربع الأخيرة، إلى تغذية
أزمة الثقة التي قرضت تدريجيا النظام الجزائري قبل أن تزعزعه زعزعة أدت في
الأخير إلى انفجار الوضع السياسي والاجتماعي في نهاية العشرية 1990.

أخذت الأزمة السياسية وجهًا مأساويا منذ انقلاب 1992، عندما قام بعض الجنرالات «الفارين» من الجيش الفرنسي بمصادرة الحكم.

كان
لهذا الاستيلاء على الدولة ومؤسساتها من طرف مجموعة أقلية تضع نفسها فوق
الدستور وقوانين الجمهورية، عواقب وخيمة على جميع الأصعدة.

فلا
الهجوم الإعلامي المتواصل داخليا وخارجيا، ولا تشويه الوقائع، ولا التصعيد
في سياسة التعتيم الإعلامي عن طريق العمل البسيكولوجي والإشاعات، ولا حجب
المشاكل الأساسية من طرف السلطة استطاعت خنق الحقيقة ولا خداع الشعب خلال
هذه المرحلة الطويلة.

فالنظام
يقدم الأزمة الجزائرية منذ إلغاء الانتخابات التشريعية في جانفي 1992 على
أنها نتيجة «التهديد الإسلامي» الذي يضع البلد ومؤسساته في خطر. ويريد
النظام إيهام الرأي العام الوطني والدولي بأن هذا هو الجانب الوحيد الذي
يشكل المواجهة بين الجبهة الإسلامية للإنقاذ والسلطة، ويمثل المعضلة التي
لا يمكن حلها إلا بنظرة أمنية وممارسات بوليسية، لكن هذا الادعاء الساذج
بالثنائية القطبية للحياة السياسية لا يستسيغها أحد في الجزائر. فالواقع
السياسي والاجتماعي في الجزائر أكثر تعقيدًا بكثير من هذا.

لهذا،
فإن هناك بعض الحقائق التي يجب التذكير بها والإشارة إليها حتى نستطيع
الإحاطة بصفة صحيحة بالأبعاد الحقيقية للمأساة الحالية، فضلا عن رهانات
الصراع الجاري في الجزائر والذي ستحدد نتيجته مستقبل البلد.

في
الحقيقة، كثيرون هم الذين في الغرب وفي العالم العربي وفي إفريقيا وفي
أوروبا وغيرها، لا يفهمون لماذا تغرق الجزائر في حرب داخلية شنيعة مدة
ثماني سنوات، ولا يفهمون لماذا وصل الجزائريون فيما بينهم إلى حدّ
التقاتل، والتباغض والاحتقار والإقصاء فيما بينهم، بل أن كثيرًا من
المراقبين المتبصرين والخبراء الأجانب المختصين في الشؤون الجزائرية لم
يفهموا شيئا طوال مدة من الزمن.

كانت
الجزائر في الماضي، تتباهى بإرثها الذي أحرزته بفضل مقاومتها للاستعمار
الفرنسي، وبفضل حربها الوطنية التحريرية، وهو إرث أبّده، بعد الاستقلال،
دورها الفعال في العالم داخل حركة الدول غير المنحازة (دعم القضية
الفلسطينية والقضية الفيتنامية فضلا عن الحركات التحررية في إفريقيا،
والتنديد بالميز العنصري في إفريقيا الجنوبية وغيرها...)

أما
اليوم، فالجزائر تمزقها الحلقة الجهنمية العنف مقابل القمع، ومأساة لم
يسبق لها نظير. فتصاعد الرعب يتعدى العقل والمنطق. فكيف وصلت الجزائر إلى
هذه الوضعية؟ إن السؤال جد معقد ويقودنا إلى عدة تساؤلات، يحاول هذا
الكتاب الإجابة عليها بالرجوع إلى حرب التحرير الوطنية مع إلقاء الضوء في
نفس الوقت على الفترة التي تلت الاستقلال.

في
الواقع، يشكل التداخل المعقد للأسباب الداخلية والخارجية، البعيدة
والقريبة خلفية الأزمة المتعددة الأبعاد التي رمت بالجزائر في وضعية لا
يمكن إخراجها منها في نهاية القرن العشرين.

إن
الجزائر بالفعل مستقلة منذ حوالي 38 عامًا، لكنها كانت مستعمرة فرنسية
خلال 132 عامًا. لقد كان احتلال الجزائر، من 1830 حتى 1962، يشبه مسارًا
متواصلاً يطبعه الاعتداء العسكري والاستبداد السياسي والعنف القضائي
والقمع الثقافي والاستغلال الاقتصادي الفادح لفائدة أقلية مرتبطة بسلطة
الاحتلال.

لقد ساهــم
الجيـــش والشرطـــة والإدارة والمدرســـة الفرنســية خــلال 132 عامًا في
تكــوين نُخَب، مقطوعــة عن الشعب الجزائري ومرتبطة بسلطة الاحتلال بكل
أشكال الامتيازات.

كان
اندلاع حرب التحرير في نوفمبر 1954 حاملا للأمل، وكانت الثورة واعدة، وكان
من المفترض أن يدشن الاستقلال عهدًا جديدًا يضع حدًا للاستبداد وحيث يتحتم
على ترقية الإنسان والحريات والعدالة السماح ببروز قادة وإطارات تنظر إلى
المستقبل لإخراج الجزائر من الجهل والأمراض والفقر بفضل سياسة تنموية
واقتصادية واجتماعية لصالح الشعب.

لكن،
وفي عز حرب التحرير وفي الوقت الذي كان يبدو فيه استقلال الجزائر أمرًا
حتميًا، كانت فرنسا تتطلع إلى سياسة تهدف إلى تأبيد وجودها السياسي
والاقتصادي والاجتماعي في الجزائر.

قامت
فرنسا لهذا الغرض بالمناورة على عدة أصعدة في الوقت نفسه بغية ضمان
رقابتها للتطور السياسي والاقتصادي والثقافي المستقبلي للجزائر بعد
الاستقلال، قامت فرنسا لهذا الغرض بتشجيع بروز قوة ثالثة، تتكون من
متعاونين مدنيين وعسكريين موالين لها.

لقد
عمدت كذلك إلى تنظيم اختراق جيش التحرير الوطني من طرف دفعات متتالية من
«الفارين» من الجيش الفرنسي في سنوات 1958 و1959 و1961 ليتمكنوا من اكتساب
الشرعية الثورية وصفة المجاهدين عندما تحصل الجزائر على استقلالها، من أجل
التحكم على أعلى مستوى في الجيش الجزائري المستقبلي الذي سيكون مشكلا
مدنيا من «القوة المحلية» كما سنرى في الفصول 1 و2 و3.

إن
كتابنا لا يعني كل «الفارين» من الجيش الفرنسي، بل يعني فئة خاصة من
العسكريين الجزائريين الذين عملوا في الجيش الفرنسي والذين يكونون قد
أرسلوا في مهمة لدى جبهة التحرير الوطني في تونس في دفعات متتالية سنوات
1958 و1959 و1961. لقد بينت لنا، بالفعل، تجربة الحرب التحريرية أنه كان
هناك «فارون» وطنيون ومخلصون، مارسوا مسؤوليات هامة داخل صفوف جيش التحرير
الوطني مثل محمود شريف (الذي أصبح عضوًا في الحكومة المؤقتة للجمهورية
الجزائرية)، أو عبد الرحمان بن سالم (قائد منطقة العمليات للشمال بالحدود
الشرقية بين 1960 و1962) أو عبد الله بلهوشات (قائد الناحية العسكرية
الخامسة ثم الناحية العسكرية الأولى بين 1964 و1978 والقائد العام للقوات
المسلحة بين 1987 و1989). كان هناك أيضًا عدد كبير من «الفارين» الذين
التحقوا بجيش التحرير الوطني في الداخل والذي اندمجوا فيه بصفة كاملة،
والذين برهنوا على تفانيهم وتضحياتهم في الميدان والذين سقط منهم الكثير
في ميدان الشرف. وكان هناك، أخيرا، «فارون» وطنيون ونزهاء مازالوا على قيد
الحياة مثل مختار كركب (قائد فيلق بين 1960 و1962) أو عبد الحميد لطرش
(الأمين العام لوزارة الدفاع بين 1971 و1978) أو السعيد آيت مسعودان (وزير
لعدة مرات في عهد بومدين والشاذلي) أو عبد النور بقة (قائد فيلق بين 1960
و1962 ووزيرًا للشباب والرياضة في عهد الشاذلي)، كل هؤلاء لا يدخلون ضمن
دراستنا.

في الوقت
نفسه، ومن بين «الفارين» من الجيش الفرنسي الذين لم يلتحقوا بصفوف جيش
التحرير الوطني أو بالجبال بل بجبهة التحرير الوطني في تونس، كانت هناك
فئة كانت تستطيع العمل تحت الأوامر لكن كان عددها محدودًا جدًا. كان هؤلاء
«الفارون» يريدون دخول الثورة من الباب الواسع وكسب ثقة قادة الثورة
والحصول بذلك على الشرعية اللازمة للقيام «بمهمتهم» على أكمل وجه. لقد
استُعمر هؤلاء في فكرهم، فبقوا مرتبطين ثقافيًا بفرنسا بعد الاستقلال
وكانوا يشكلون (ومازال الأمر قائمًا بالنسبة للذين هم دائمًا على قيد
الحياة) مجموعة ضغط متآزرة على شكل عصابة.

إن
هذه الأقلية النشطة التي يلهب جوانحها طموح مفرط والتي تتحرك لتحقيق سياسة
المسخ الثقافي والحضاري للجزائر هي التي أصفها في هذا الكتاب. هذه الفئة
المحدودة جدًا في العدد هي المقصودة بتسمية «الفارين» في هذا الكتاب.

وفي
الأخير، تمَّ اتخاذ إجراءات من أجل «تسهيل» الدخول للإدارة أمام عمال
وإطارات منفذين جزائريين تكونوا في قالب استعماري، في إطار الترقية
الاجتماعية التي شرع فيها لهذا الغرض منذ 1956. وتشكل الإدارة الفرنسية
التي ورثتها الجزائر المستقلة فخّـًا سينهك للأبد عاتق المواطنين. لقد
سَهَّلَ مجموع هذه العوامل بروز بيروقراطية مافياوية تتشكل نواتها القوية
من «الفارين» من الجيش الفرنسي.

إن هذا الكتاب يراد منه أن يكون شهادة حول المراحل المتواصلة التي تركت بصماتها على تطور الجزائر بين 1958 و1999.

سأحاول
أن أبين كيف استفادت مجموعة «الفارين» من الجيش الفرنسي، خلال هذه الفترة،
من الصراعات التي هزت جبهة وجيش التحرير الوطني خلال حرب التحرير، ومن
الأزمات المختلفة التي عاشتها الجزائر بعد الاستقلال والتي جرّت معها كل
مرة إبعاد مسؤولين وطنيين سياسيين وعسكريين ليُسْتَبْدَلَ بهم أناسٌ أكثر
انقيادًا.

إنه لمن
المثير للفضول أن أشير في هذا الصدد إلى أن الجزائر تمثل، في تاريخ نزع
الاستعمار، حالة وحيدة من نوعها. فقد تم إحراز الاستقلال بفضل الكفاح
المسلح والتضحيات الجسام التي بذلها الشعب الجزائري. لكن القضاء على
الاستعمار طُبع في نفس الوقت بانفجار الحركة الوطنية في 1962 وبالسطو على
الثورة وتحويلها من طرف الاستعمار الجديدولصالحه.

إن
هذه الملاحظة المؤلمة لا تقلل في شيء من الدور الحاسم الذي لعبه مسؤولو
الثورة من أجل تحقيق المثل الوطني الأعلى، ألا وهو استقلال الجزائر
بالكفاح المسلح. وسيحفظ التاريخ في كل الأحوال بكون قادة مثل زيغوت يوسف
وكريم بلقاسم ولخضر بن طوبال وعبد الحفيظ بوصوف وعبان رمضان، وأكتفي بذكر
بعض ممن عرفتهم، يعدون، رغم اختلافاتهم وآرائهم المتعارضة في المجال
التاكتيكي من حين إلى آخر، ورغم الحوادث العارضة، رجالاً عظماء ووطنيين
كبـــارًا متفانــين عملــوا كل شـيء بضـراوة وصبـر، وبمثــابرة ووعـي
لتحـريـر الجزائر من نير الاحتلال.

في
هذا الوقت، سمحت وضعية الجزائر التي أحرزت استقلالها في مناخ الأزمة
الخطيرة التي تواجه فيها الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية والقيادة
العامة للجيش، ببروز «الفارين» من الجيش الفرنسي في قمة الهيئة العسكرية،
لاسيما داخل وزارة الدفاع والدرك الوطني (التي سيطروا عليها كلية منذ
1962) ليمتد إلى القطاعات الاستراتيجية مع مرور الوقت.

لقد استعارت مجموعة «الفارين» من الحركة الوطنية لغتها ومناهجها لتعزيز مواقعهم وللوصول إلى أهدافهم.

إن
المناداة الدائمة والثابتة بضرورة بناء دولة قوية وقادرة والحفاظ على
الوحدة الوطنية تعد في الواقع حجة واهية لإخفاء رغبتهم في الوصول إلى
السلطة ثم البقاء فيها، ولإخفاء ارتيابهم من مواجهة الشعب والتيارات
السياسية الموجودة، فضلاً عن احتقارهم التام للحريات الأساسية والممارسة
الديمقراطية. وسينكب «الفارون» وحلفاؤهم داخل مختلف الأجهزة على التنظيم
التدريجي، ابتداءً من انقلاب 1965 بالضبط، لاستخلاف الإطارات الوطنية
والنزيهة بإطارات من الفئة الفرانكوفونية عبر الأيام وحسب الأحداث
والظروف، هدفهم من ذلك دفن، وذلك بكل ما أوتوا من قوة، رموز وثوابت الأمة
الثورة والجزائر العميقة، منتظرين اللحظة الملائمة للرمي بالبلاد تحت
الهيمنة الثقافية والسياسة الفرنسية. وكان عليهم انتظار جانفي 1992 لتحقيق
هدفهم عن طريق الانقلاب. لقد أصبح التسلــط والإقصــاء واستعمــال قوة
السلاح ضد القناعات السياسية المختلفة والقمع في جميع أشكاله سياستهم من
أجل الاحتفاظ بالسلطة. إن الأحداث المستعرضة بجرأة في هذا الكتاب قد عشتها
كفاعل وشاهد وملاحظ طوال هذه الفترة الكبيرة.

كانت
الثورة بالنسبة إليّ أكبر ممارسة. لقد انتسبت إليها بكل عزيمة منذ 1955 في
سن 19، وبقيت وفيًا دائما لمبادئ أول نوفمبر 1954 وللقيم الأصيلة التي
يتعلق بها الشعب ويتمسك بها بكل وجدانه، وهي الحرية والتقدم والوفاء
والعدالة الاجتماعية التي تمارس في إطار متفتح وشفاف وخالية من كل وصاية
ومن كل تسلط ومن كل بيروقراطية. لقد رفضت دومًا العمل بذهنية التفرقة مهما
تكن الوظائف التي مارستها خلال حرب التحرير أو بعد الاستقلال. كنت أضع
دائمًا الصالح العام والهدف الأسمى للعدالة الاجتماعية فوق كل اعتبار آخر،
رغم المحاولات المتكررة والعراقيل المتعددة، بل حتى التهديدات الصادرة عن
الأجهزة بغية شل عمل الإطارات الوطنية المتفانية والمعروفة باستقامتها
وروحها الاستقلالية. إنّه، بالفعل، لمن الصعب على مسؤول سياسي شريف ممارسة
وظائف حكومية بصفة صحيحة، نظرًا للصعوبات والعراقيل التي يضعها في طريقه
أبناء النظام، بعيدًا عن الوطنية التي ترعرعت وتربت فيها. لقد حاربت
بضراوة خلال العشر سنوات التي كنت فيها مسؤولا حكوميًا.

ولم أوفق دائمًا في
الحصول على الموافقة على الإصلاحات التي كانت البلاد في أمس الحاجة إليها.
فقد كانت المعارضة والتردد سلعة رائجة بل وحتى العداء. وكانت تتخذ أشكالا
متعددة. فمنذ دخولي الحكومة في 1979، وبعد عرض الملفات الأولى في مجلس
الوزراء، عمد أبناء النظام إلى نعتي بجميع النعوت حسب الظروف والأحداث عن
طريق الإشاعة بغية ضرب مصداقيتي. ففي 1979 و1980 أطلقوا عليّ نعت
«الوردي»، أي القريب من الشيوعيين، ثم بين 1980 و1981 أثناء الإعداد
لتطبيق الإصلاحات الأولى المتعلقة بإعادة هيكلة المؤسسات العمومية،
والمتعلقة بتشجيع الاستثمارات الخاصة الوطنية والأجنبية وبإنشاء مؤسسات
اقتصادية مختلطة مع شركاء أجانب، كانت الإشاعة تظهرني كممثل للشركات
المتعددة الجنسيات، وبين 1982 و1986 نعتوني «بالإخواني» لأنني كنت أتردد
على المسجد. ولأن ذلك تزامن خاصة مع صعود الحركة الإسلامية، في حين أني
كنت أتردد دائمًا على المسجد قبل 1982 وبعد 1986. وبين 1986 و1988، عندما
دافعت عن مصالح الجزائر لمعارضتي لبعض الصفقات الكبيرة والتي كانت غير
متوازنة إلى حد لا يمكن وصفه، وهي الصفقات التي كان يدافع عنها ويرعاها
العربي بلخير وحاشيته، الذين كانوا يشيعون أني مُوالٍ لأمريكا وأني أملك
فنادق في الولايات المتحدة، في حين أن الكل يعلم أني لم أملك قط أي مدخول
خارج مرتبي.

إن أبناء
النظام لا يصدهم شيء من أجل ضمان ديمومة النظام. وهكذا، كانت أحداث
أكتوبر، على سبيل المثال، مخططة من طرف أبناء النظام لإنقاذ نظامهم وتحسين
مواقعهم، كل في مجال اختصاصه، في هرم السلطة. هذه الأحداث المدبرة
والمنظمة بطريقة ميكيافيلية تمثل مرحلة حاسمة نحو انقلاب جانفي 1992 التي
كرست مجموعة «الفارين» من الجيش الفرنسي، هذا الانقلاب الذي افتتح مرحلة
طويلة من العنف والرداءة وعدم الاستقرار.





لـــقـــد
حان الوقـــت للعـــودة إلى المســــار الديمقراطــــي والســيادة
الشعبية، وهمـــا الضامنــــان الوحيـــدان لإعــــادة الثقـــة بين
الحاكــم والمحـكـوم، واستعادة السلم والاستقرار.

















القســــــم الأول




المرحلة التحضيرية للانتقال من الاستعمار


إلى الاستعمار الجديد

إن
التوجه السياسي لفرنسا في تعاملها مع الجزائر بعد وصول الجنرال ديغول إلى
الحكم قد تُرجم بتطبيق استراتيجية شاملة تهدف إلى استبدال نظام استعماري
جديد بنظام استعماري، لمنع الجزائر من استعادة مكانتها الطبيعية في العالم
العربي الإسلامي بعد حصولها على الاستقلال. وتهدف أيضا إلى تفادي ابتعاد
الجزائر المستقلة عن فرنسا على الصعيد السياسي والاقتصادي والثقافي،
ومنعها من إعادة بناء نفسها على أسس مستقلة لتلبية تطلعات الشعب الجزائري
الذي بقي متشبثا بكل جوارحه بالإسلام وقيمه التي تدعو بصفة خاصة إلى
الحرية والوحدة والأخوة والتضامن والعدالة الاجتماعية.

فمنذ
البداية، كان الجنرال ديغول، على ما يبدو، مقتنعًا بالمجيء الحتمي
للاستقلال السياسي للجزائر. لكنه لم يدخّر أي جهد لتحطيم الحركة المسلحة
للتحرير الوطني وذلك بتعزيز الطاقة العسكرية الفرنسية بصفة معتبرة.
فعمليات الجيش الفرنسي الأكثر حدة والأكثر ضراوة التي خاضها منذ نوفمبر
1954 ضد جيش التحرير الوطني وضد الشعب الجزائري لاسيما في المناطق الجبلية
والريفية كانت في ظل حكومة ديغول. وكان الهدف استنزاف دم الجزائر العميقة
وذلك بضربها في الصميم.

لكن،
وبالموازاة مع التعزيزات التي لم يسبق لها مثيل للجيش الفرنسي في عملياته
القمعية والوحشية اليومية ضد الشعب الجزائري، سواء في الأرياف أو في
المدن، كان شارل ديغول يتطلع إلى استراتيجية تهدف إلى تحويل الثورة
الجزائرية عن مسارها الذي كان قد حدده بيان أول نوفمبر 1954.

كانت هذه الاستراتيجية تهدف إلى تعزيز الوجود الفرنسي في الجزائر المستقلة في جميع الميادين.

وفي
هذا الإطار، تم اتخاذ عدة تدابير خاصة بالجزائر منذ سنة 1958 على الصعيد
السياسي والعسكري والإداري والاقتصادي والثقافي حتى تبقى الجزائر مرتبطة
تماما وإلى الأبد بفرنسا بعد استعادة استقلالها الشكلي، الذي كان ينظر
إليه كحتمية. لقد جاءت هذه الإجراءات لتضاف إلى إجراءات أخرى اتخذتها
مختلف الحكومات الفرنسية منذ اندلاع حرب التحرير، وذلك في إطار استراتيجية
محددة.

لقد تم تقديم
هذه الاستراتيجية تحت التسمية الجذابة «الجزائر الجزائرية» للتجديد وإزالة
تسمية «الجزائر الفرنسية»، التي كانت الحكومة الفرنسية تدافع عنها رسميا
قبل ذلك. وتهدف هذه الاستراتيجية خاصة إلى استدراج الجزائريين في هذا
الاتجاه لإضعاف جبهة التحرير الوطني، بل حتى تهميشها.

فالجزائريون،
سواءٌ كانوا مدنيين أو عسكريين، الذين قيدوا في هذا الطريق ليشكلوا «القوة
الثالثة»، لا يمكن اعتبارهم جميعا عملاء في خدمة فرنسا الاستعمارية. لقد
كان بالتأكيد بينهم الكثيرون من ذوي النية الحسنة، كما كان هناك انتهازيون
وأناس سلكوا ذلك المسلك خوفا أو تحت تأثير غريزة البقاء.

إن
دراستنا لن تطول بالنسبة لمختلف هذه الفئات التي التحقت، في وقت أوفي آخر،
بقضية «الجزائر الجزائرية» لأسباب تاكتيكية أو عارضة.
وتخص دراستنا فئة معينة من العسكريين الجزائريين الذين عملوا في الجيش
الفرنسي والذين يكونون قد أرسلوا في مهمة لدى جبهة التحرير الوطني بتونس
في دفعات متتالية بين 1958 و1961، والذين كان يطلق عليهم إذن اسم
«الفارين» من الجيش الفرنسي. لا نهدف هنا إلى الحديث عن جميع «الفارين»
على قدم المساواة. لقد علمتنا تجربة حرب التحرير في الواقع، أنه كان هناك
«فارون» وطنيون ونزهاء، الذين مارسوا، على كل حال، مسؤوليات هامة في صفوف
جيش التحرير الوطني مثل محمد شريف (قائد الولاية الأولى في 1957 وعضو في
الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في 1958) أو عبد الرحمان بن سالم
(قائد فيلق، ثم مسؤول منطقة العمليات للشمال بين 1960 و1962) أو عبد الله
بلهوشات (قائد الناحية العسكرية الخامسة، ثم الناحية العسكرية الأولى بين
1964 و1978، والقائد العام للقوات المسلحة بين 1987 و1989). وكان هناك
أيضا عدد كبير من «الفارين» الذين التحقوا بصفوف جيش التحرير الوطني في
الداخل وبرهنوا على شجاعتهم وتفانيهم في الميدان، وقد سقط منهم كثيرون في
ميدان الشرف. وكان هناك أخيرا «فارون» وطنيون نزهاء مثل مختار كركب (قائد
فيلق بين 1960 و1962)، أو عبد الحميد الأطرش (الأمين العام لوزارة الدفاع
بين 1971 و1978) أو سعيد آيت مسعودان (عدة مرات وزير في عهد بومدين وفي
عهد الشاذلي) أو عبد النور بقة (قائد فيلق بين 1960 و1962 ووزير للشباب
والرياضة في عهد الشاذلي).

يعيــــدنا
الفصـــــل الأول إلى الظـــروف التاريخية التي تكونت فيها هذه الطغمة
زيادة على مجيء البنية التقنية ذات التوجه الفرنسي التي ربطت معها هذه
الطغمة تحالفات صلبة. ويفيدنا هذا الفصل بعناصر موجهة لإلقاء الضوء على
مناطق الظل حتى نلم أكثر بأسباب المأساة الجزائرية التي تعقدت مع الأيام
بعد الاستقلال.









الفصل الأول





«الجزائر الجزائرية» المؤسّسة على «القوة الثالثة»:




الطريق المباشر إلى الاستعمار الجديد



1 - «الجزائر الجزائرية»

إن
مصطلح «الجزائر الجزائرية»(1) الذي استعمله ديغول بالمناسبة يمثل الخلفية
والتوجه والإيديولوجية، نوعا ما، والغطاء السياسي، حتى لا نقول الغلاف،
لهذه الإستراتيجية الشاملة. فهذا المصطلح ليس وسطيا ولا متبذلا، ويظهر
مغريا للشعب الجزائري، لكنه لا يعدو أن يكون غير عدائي. فالمقصود منه
حقيقة هي سياســة تهــدف أساسًا إلى قطـع صلة الجزائر بعروبتها وانتمائها
للإسلام الذي طبعها مدة 14 قرنا.

يجدر في هذا الصدد أن نوضح أولا مصطلحي «القوة الثالثة» و«الجزائر الجزائرية» مع التذكير بمحتوى استيراتيجية فرنسا في هذا الشأن.

لقد
فعل ديغول بكل ما بوسعه للإبقاء على الوضع الاستعماري للجزائر وإن كان قد
تقبل مبدأ الاستقلال منذ وقت طويل كما أشار إلى ذلك عدة مؤرخين فرنسيين.
لكن الأحداث تبين جليا أنه لم يكن ينظر إلى استقلال الجزائر إلا كإجراء
أخير، بعد أن استنفذ جميع الوسائل. لهذا كان تعزيز القدرة العسكرية
الفرنسية كخيار حتمي قد فرض نفسه، لاسيما منذ 1958.

وقد
ترجم هذا أيضا بالرفع من المجندين من تعداد «الفرنسيين المسلمين» الذين
يعملون كإضافيين لتدعيم الجيش الفرنسي في مجهوده الحربي. حيث يقدر عدد
المتعاونين الجزائريين المسجلين مع فرنسا في مارس 1962 بمائتين وخمسين ألف
رجل من بينهم 160000 احتياطي. هناك ارقام مختلفة تتحدث عنها مصادر كثيرة.
لكن يبدو أن رقم 250000(الذي يؤكده محند حمومو) هو المعقول(1).

ويشمل هذا الرقم العسكريين المهنييين وجنود الخدمة العسكرية «المسلمين».

والإضافيين
والمتعاونيين المدنيين الذين يمارسون وظائف إدارية أو يمثلون النخب التي
تعمل كواسطة بين سلطة الاحتلال والشعب الجزائري الذي تتولى تسيير شؤونه.

إن توظيف الجزائريين «المسلمين» والإعتناء بعمالة مدنية وعسكرية بهذه الأهمية يهدف إلى ربط الجزائر بفرنسا تحت أشكال جديدة.

الهدف
الأول من استعمال هذه القوة الهائلة من الأهالي هو تحطيم جيش وجبهة
التحرير الوطني، ولتظهر فرنسا بهذا للشعب الجزائري أن هناك بدائل أخرى غير
الاستقلال «كالاندماج» مثلا أو «الاستقلالية والإتحاد مع فرنسا» كما
يقترحه ديغول في خطابه حول تقرير المصير في سبتمبر 1959.

فمن
الطبيعي أن يشكِّل المتعاونيين العسكريين والمدنيين دعامة لنظام سياسي
متجدد، وهياكل لجزائر جديدة تكون قد اختارت «الاندماج» أو «الاتحاد» مع
فرنسا. ويتعلق الأمر بتشجيع بروز «قوة ثالثة» تكون وسطية بين من يريدون
جزائر فرنسية والمدافعين عن استقلال الجزائر. سيكون لهذه القوة «الثالثة»
(المكونة من النخبة السياسية والجيش والشرطة والادارة) المعارضة لجبهة
التحرير الوطني والمتميزة عن المعمرين مهمة إدامة الهيمنة الفرنسية
ووجودها في الجزائر في جميع المجالات. بعبارة أخرى، لن يبقى تسيير شؤون
الجزائريين تتحكم فيه مباشرة فرنسا، مثلما كان عليه الأمر في ظل نظام
الاحتلال، لكن بواسطة جزائريين ذوي توجه فرنسي أُعِدُّوا للمناسبة في «قوة
ثالثة».

على كــل
حــــال، فمـــنـــذ 1830 وطـــوال 130 عامـــا، كان احتــــلال
الجـــزائر عبارة عن مسار متواصل يطبعه العدوان العسكري والقمع السياسي
والعنف القضائي والإضطهاد الثقافي والاستغلال الاقتصادي الفادح لفائدة
المعمرين وأقلية من «الفرنسيين المسلمين» المقطوعة عن الشعب الجزائري
والمرتبطة بقوى الاحتلال بامتيازات من كل نوع. إذن «فحزب فرنسا» كان
موجودًا دائما منذ القرن التاسع عشر. ويضم في صفوفه عدة فئات من الموظفين
المهنيين والاجتماعيين (عسكريين وموظفين وأصحاب مهن حرة وأصحاب أملاك
ومقاولين). لقد قامت المدرسة والجيش الفرنسي نوعا ما باستلاب هذه النخب
لصالح الدولة الاستعمارية التي كانت تكفل لهم وضعية متميزة عن الشعب
الجزائري(1). إن تيار « حزب فرنسا» هذا الذي أطلق عليه بالمناسبة إسم
«القوة الثالثة» والذي حاولت فرنسا تأسيسه قبل 1962 على شكل مؤسسات بغية
التحكم في مصير الدولة الجديدة، نابع من المخطط الاستعماري الجديد. هؤلاء
الجزائريون الموالون لفرنسا المشكلون في «قوة ثالثة» (أطلق عليهم فيما بعد
اسم «حزب فرنسا» الذي سيقع على عاتقه إقامة هذه المؤسسات بحصولهم على
الحكم بتزكية فرنسا.

وتتوفر
فرنسا لهذا الغرض على وسائل بشرية ومادية ومالية معتبرة لتجسيد مشروعها
المتمثل في «القوة الثالثة» لكن خارج الشعب الجزائري، بل حتى ضده. يتمثل
الهدف النهائي طبعًا في الإبقاء على الهيمنة الفرنسية في الجزائر لاسيما
على الصعيدين الاقتصادي والثقافي. ولإخفاء النوايا الاستعمارية الجديدة
لهذا المشروع تم إضفاء اسم غامض عليه وهو «الجزائر الجزائرية».

هذا
المصطلح يبدو ظاهره عاديًا ولا يدعو لأية معارضة، لكن باطنه يحوي الكثير،
وقد استعمله ديغول ورجال السياسة الفرنسيون ووسائل الإعلام خلال السنتين
الأخيرتين من حرب التحرير.

يفهم
من هذا المفهوم أن فرنسا مستعدة إلى أقصى حد لقبول استقلال الجزائر
السياسي لكن بإفراغ محتواه. يعني هذا على الخصوص أن فرنسا لن تقبل أن
تسترجع الجزائر شخصيتها الأصلية المبنية على العروبة والإسلام. لم تكن
الفكرة في هذا السياق إلاّ لأن تُعجِب فرنسا، وهو أن ترى الجزائر مستقلة
شكليًا لكن ضعيفة واهنة منبطحة ومرتبطة بفرنسا في المجالات الاستراتيجية.

إن
تصور فرنسا «للجزائر الجزائرية» يفترض بكل وضوح الحفاظ على «الإشعاع
الثقافي الفرنسي» وذلك بالإبقاء على الفرنسية كلغة رسمية للجزائر المستقلة
على حساب اللغة العربية. وهذا يؤدي في الوقت نفسه إلى الحفاظ على المصالح
الاقتصادية لفرنسا بعد الاستقلال، بل أن اللغة العربية تم التضحية بها في
مذبح إيفيان، كما سنرى لاحقًا.

لقد
ترجمت فكرة «الجزائر الجزائرية» بإعداد وتطبيق استراتيجية حقيقية
اُستُكملت في عهد ديغول وتهدف إلى إبقاء الجزائر «المستقلة» في أحضان
فرنسا.

وهكذا كان
إنشاء «قوة (مسلحة) محلية» وتنظيم الإدارة والاقتصاد يتفق مع هذا الانشغال
الأعظم وذلك بتزويد الجزائر بأجهزة مناسبة موالية لفرنسا وبخلق نظام سياسي
واجتماعي يعارض أهداف جبهة التحرير الوطني وتطلعات الشعب الجزائري، قبل
حصوله على الاستقلال بوقت طويل. وهكذا تم تلغيم الجزائر عند نهاية فترة
الاحتلال.

سنعود إلى
هذه المسائل بإيجاز لندعم بها أقوالنا ونكشف عن تعقد الأزمة التي تتخبط
فيها الجزائر منذ الاستقلال، لاسيما خلال العشرية الحمراء لسنوات 1990.




2 - ««القوة المحلية»» أو جيش ««الجزائر الجزائرية»»:

لقد
سمح خطاب الجنرال ديغول حول تقرير مصير الجزائر في سبتمبر 1959 للحكومة
الفرنسية بالتخطيط، ابتداءً من 1960، لإنشاء «قوة محلية» انطلاقًا من
الاحتياطيين لتشكيل «نواة الجيش»، أي النواة القوية «للجزائر
الجزائرية»(1) المستقبلية.

ففي
سنة 1961 قام الجنرال «آيري» القائد الأعلى للقوات المسلحة في الجزائر،
بتوجيه مشروع «القوة المحلية» إلى وزير الجيوش. يتعين على «القوة المحلية»
أن تشمل جزءًا من الحركى والمخازنية والمجموعات المتنقلة للحماية الريفية،
التي أصبحت تسمى الفرق المتنقلة للأمن.

إن الفحص السريع لمختلف الأطراف التي تشكل «القوة الثالثة» يسمح لنا بتحديد خلفيات الحكومة الفرنسية جيدًا.


- الحركــة:

أنشئت
الحركة، وهي عبارة عن وحدات قتال تتكون من جزائريين من «الفرنسيين
المسلمين» ابتداءً من 1954. فقد أدرك الجيش الفرنسي بسرعة أنه بحاجة إلى
الأهالي، وذلك لمعرفتهم الجيدة بالميدان، للقتال بنجاعة ضد جبهة وجيش
التحرير الوطني.

يعرّف
الأمر رقم 7/412 للقيادة العليا للجيش الفرنسي في الجزائر المؤرخ في 8
فيفري 1956 «الحركة» على أنها «وحدات إضافية... مشكلة في كل فيلق...
وتعتمد على وحدات قاعدية (فرق، سريات مدفعية، كتائب)، وتتكفل بتكملة الأمن
الإقليمي والمساهمة في العمليات المحلية على مستوى القطاعات» (1).

لقد
قفز عدد الحركة من 20000 عام 1959 إلى 60000 عام 1961. في الواقع، فإن
العدد الإجمالي للحركة العاملين كإضافيين بين 1954 و1962 يقدر بحوالي
200000 حسب الوزارة الفرنسية للجيوش (2).

ويفسر
التعاقب السّريع للحركة بعدة أسباب منها على الخصوص إلغاء، وذلك دون
إشعار، العقد الذي يربطهم بإدارة الاحتلال عن طريق إجراءات تأديبية أو
بإشعار مسبق لمدة ثمانية أيام لعدم القدرة البدنية، وأيضًا في حالة إصابة
خطيرة(3). لكن عددًا منهم غادر الحركة قبل عام 1962. إن دور الحركة هجومي
أكثر منه شيء آخر. تتمثل مهمتهم في جمع المعلومات حول نشاطات جبهة التحرير
الوطني وحول تحركات جيش التحرير الوطني لمعرفة مواقع أهداف معينة بمناطق
تعتبر خطيرة بالنسبة للجيش الفرنسي، ثم مهاجمتها بعد ذلك. وهكذا قدم
الحركة خدمة عظيمة للجيش الفرنسي في حربه ضد جيش التحرير الوطني. لكن لابد
من الإشارة إلى أنهم كانوا يتلقون راتبًا زهيدًا مقابل ذلك العمل. أولا
لأن الأجر الشهري للحركي حُدّّد بسبعمائة وخمسين (750) فرنكا، وهو مستوى
ضعيف إلى حد اعتباره مهزلة مقابل المخاطر التي تترصدهم، ومقارنة بمرتبات
الجنود الفرنسيين أو الأجانب. ثم لأنهم تُركوا بعد وقف إطلاق النار في
مارس 1962، يواجهون مصيرهم لوحدهم بعد حل الحركة من طرف الجيش الفرنسي
ولرفض الحكومة الفرنسية إدماجهم في الجيش الفرنسي أو «ترحيلهم» جماعيًا
إلى فرنسا. لقد سُمح لنسبة 5% من الحركة بالذهاب نهائيًا إلى فرنسا(4)
بينما طُلب من الآخرين «تنظيم إعادة دمجهم اجتماعيًا» في الجزائر حيث
يبقون تحت حماية الجيش (الفرنسي) لمدة 6 أشهر برتبة أعوان مدنيين
متعاقدين»(1)، ليلتحقوا «بالقوة المحلية». قليل منهم انخرط في الجيش
الفرنسي الذي لا يقبل في هذه الحالة إلا العزاب في إطار نسبة محدودة جدًا.


هذه الخيارات المختلفة المترتبة عن حل القوى الإضافية لا تخص الحركة فحسب، لكن تخص أيضًا المخازنية والإضافيين الآخرين.


- المخازنية:

ابتداءً
من 1955، قرر الجيش الفرنسي بدء وتطوير نشاطات «بسيكولوجية» في صفوف الشعب
الجزائري لاستمالته أمام تأثير جبهة التحرير الوطني.

وقد
قام الجنرال بارلانج العامل بالأوراس بإنشاء أول الأقسام الإدارية
المتخصصة (SAS)، لإقامة رابطة مباشرة متعددة الأبعاد بين الجيش الفرنسي
والسكان(2).

وتتدخل
هذه الأقسام الإدارية المتخصصة في أربعة مجالات:
- سياسيا: يتمثل الهدف في استعادة التحكم في السكان وجعلهم في موضع ثقة...
حتى يتم ضمان دعمهم الفعلي المتزايد(3)، وتشجيع البحث التلقائي والفعال عن
المعلومات حول جيش وجبهة التحرير الوطني.

- اجتماعيا: تنظيم وتطوير العمل الاجتماعي لفتح المدارس والعيادات وبعث أعمال التجهيز المحلي.
- إداريا: سد الفراغ الإداري الناجم عن استقالة المنتخبين المحليين التي
أمرت بها جبهة التحرير الوطني. وفي هذا الإطار، يمارس ضابط القسم الإداري
المتخصص وظائف ضابط الحالة المدنية ويمثل السلطات الولائية في بلديته.
- عسكريا: مساعدة الجيش الفرنسي في حربه ضد جيش التحرير الوطني. ويتوفر
القطاع الإداري المتخصص لهذا الغرض على إضافيين مسلمين مسلحين ومنظمين في
مخزن.


تم
في 1956 إصــــدار قــرار بإنشـاء 680 قسمًا إداريا متخصصا موزعين على 13
عمالة بمعدل قسم واحد في الدائرة، يتوفر قائد القسم الإداري المتخصص (SAS)
على مخزن محدد بخمسة وعشرين رجلاً. في ماي 1961 كان عدد الأقسام الإدارية
المتخصصة (SAS) 661 و27 قسما إداريا حضريًا (SAU) تشغّل 20000 مخزني(1).

الفرق المتنقلة للحماية الريفية (GMPR):

تتمثل
مهام هذه الفرق التي أصبحت تسمى الفرق المتنقلة للأمن (GMS) في الحراسة
والتدخّل و»الحفاظ على الأمن» في الأماكن التي لا تخضع لتغطية كافية من
طرف الجيش الفرنسي أو رجال الدرك. ويقع على عاتقها أيضًا حماية بعض
البناءات العمومية كمقر الولايات والدوائر والبلديات أو ضمان حماية بعض
الشخصيات المدنية. ويقدر تعداد الفرق المتنقلة للأمن بمائة ألف رجل في
1962 حسب محند حمومو.

فرق الدفاع الذاتي (GAD):

أنشئت
فرق الدفاع الذاتي (GAD) لحماية القرى والمشاتي والمزارع ضد الهجومات
المحتملة لجيش التحرير الوطني. وهم مكلفون أيضًا بمنع عناصر جيش وجبهة
التحرير الوطني من الدخول إليها للتموين أو جمع المعلومات. إن الجيش هو
الذي يقوم بتسليح هذه الفرق التي تعد امتدادا له، والتي تستعمل في الواقع
«كسلاح بسيكولوجي وسياسي ضد أطروحات جبهة التحرير الوطني.»(2)

لقد كانت فرق الدفاع الذاتي جد متسلطة بما أن نشاطها قد تجاوز مهامها الدفاعية الأصلية. في عام 1962 وصل تعدادها إلى 60000 رجل.

يوجز
لنا الجدول التلخيصي التالي وضعية تعدادات مجموع العسكريين والإضافيين
«الفرنسيين المسلمين» العاملين في الجيش الفرنسي إلى غاية 1962، حسب أربعة
مصادر مختلفة.

الجدول 1: عسكريون وإضافيون «فرنسيون مسلمون» في الخدمة

(مارس 1962).



المرجع: عن محند حمومو نفس المرجع ص. 122.

في
المجموع، نشير إلى أن عدد العسكريين والإضافيين «الفرنسيين المسلمين»
العامليــن مع سلطــة الاحتــــلال يتراوح بين 180.000 و225.000 حسب
المصادر في 1962.

لقد
تم تجسيد هذا المشروع، المنصوص عليه في اتفاقيات إيفيان، أخيرا بتعيين
قرابة 60.000 رجل من بين الأشخاص «المخلصين» والأوفياء لفرنسا، في «القوة
المحلية». ويتم توزيعهم كما يأتي:



الجدول 2

مكونات «القوة المحلية»

- عسكريون........................................................................26000

- الفرق المتنقلة للأمن..........................................................10000

- رجال الدرك.....................................................................6500

- فرق صحراوية..................................................................3500

- آخرون (حركة، فرق الدفاع الذاتي، قدماء العسكريين،..إلخ).. 12000

المجموع..............................................................................58000


المرجع: سي عثمان، «الجزائر، أصل الأزمة» نفس المصدر ص. 153.

وهكذا
وبعد الفشل في تكسير جيش وجبهة التحرير الوطني كما كان مخططًا له وبعد
الفشل في إبقاء الوضع الاحتلالي للجزائر، كان الثمن لها حربا من أكثر
الحروب ضراوة، توجهت فرنسا ببرودة إلى تبنّي استراتيجيتها وفق شروط جديدة
تؤدي بالجزائر إلى الاستقلال.

لقد
نجحت فرنسا في هذا الغرض بـإنشاء «قوة محلية» من 58000 رجل من بين
معاونيها الذين استنفرتهم من قبل ضد شعبهم والذين أُسندت إليهم مهمة
مراقبة المؤسسة الأكثر استراتيجية في البلاد والتي تتحكم في مستقبلها(1).

قامت
فرنسا لتجسيد هذه السياسة، بالانطلاق في عمليات محددة في جميع الاتجاهات.
وتهدف هذه السياسة في المجال العسكري إلى تشجيع عمليات «الفرار» وعمليات
«انضمام» لضباط شباب جزائريين (تمت ترقيتهم بسرعة لهذا الغرض) وعناصر أقل
شبابًا يعملون في الجيش الفرنسي لاختراق صفوف جيش التحرير الوطني من جهة،
لتهيئتهم للحصول في اللحظة المناسبة على قيادة الجيش الجزائري بعد
الاستقلال من جهة أخرى. لننظُر بتروٍ ودقة في الفصل التالي.



الفصل الثاني:

غزو جيش التحرير الوطني



1 - اختراق جيش التحرير الوطني (1958-1962)

إن انضمام ضباط وضباط صف وجنود جزائريين يعملون في الجيش الفرنسي إلى جيش التحرير الوطني، قد تمّ بطرق متعددة بين 1956 و1962.

ففي
البداية، لم يكن الانضمام الفردي والمنعزل تحركه نفس الدواعي ولم يكن يمثل
استجابة لتعليمات السلطات الفرنسية. ويبدو من الواضح أن أول العناصر
العاملة في الجيش الفرنسي والتي التحقت بجيش التحرير الوطني في مختلف
الولايات بصفة فردية(1) أو جماعية(2) مهما كانت رتبتهم قد دفعهم إلى ذلك
إما دافع وطني أو كرد فعل على قمع الشعب من طرف جيش الاحتلال أو بدوافع
أخرى. فكل حالة فرار من الجيش الفرنسي كانت تمثل حالة خاصة لوحدها. إن
التعميم انطلاقا من حالات معزولة ملاحظة في 1955 و1956 من شأنها أن تقود
إلى استنتاجات مغرضة وخاطئة. ويجدر بنا أن نشير إلى أن الفارين من الجيش
الفرنسي بين 1955 و1956 كانوا يلتحقون مباشرة بجيش التحرير الوطني في
الجبال وكانوا قد حاربوا إلى جانب إخوانهم المجاهدين.

وعلى
العكس من ذلك، فإن عمليات الالتحاق الفردية أو الجماعية لعناصر جزائرية من
الجيش الفرنسي التي تمّت في 1957 لا سيما ابتداءً من 1958، قد تمت ليس
باتجاه جيش التحرير الوطني بل في اتجاه جبهة التحرير الوطني بتونس للدخول
من الباب الواسع. ويستجيب هذا لاستراتيجية فرنسية دقيقة لتجسيد مخططها
«الجزائر الجزائرية» بغية إبقاء الجزائر بعد حصولها على الاستقلال
السياسي، تحت الهيمنة الفرنسية غير المباشرة.

1-1- أهداف «»««الفارين»» الجزائريين من الجيش الفرنسي:

لن
نتطرق هنا إلى مسألة كل»الفارين» الجزائريين من الجيش الفرنسي، لاسيما وأن
كثيرًا منهم ممن التحقوا مباشرة بصفوف جيش التحرير الوطني قد برهنوا على
تمسكهم بالقضية الوطنية وحاربوا بكل تفان من أجل استقلال الجزائر. فمن شأن
ذلك أن يكون طويلا وأن يغلب عليه الإسهاب الممل، ولن يغير شيئًا من طبيعة
إشكاليتنا، ألا وهي اختراق صفوف جيش التحرير الوطني الذي قررته وخططت له
السلطات الفرنسية بغية إدامة الهيمنة الفرنسية في الجزائر. وعلى العكس من
ذلك، فإن تسليط الضوء على الدور، فضلا عن الترقية والارتقاء السريع،
لحوالي أربعين «فارّاً» جزائريًا من الجيش الفرنسي التحقوا بجبهة التحرير
الوطني في الخارج ولعبوا بعد ذلك دورًا حاسمًا داخل وزارة الدفاع بعد
الاستقلال، سيسمح لنا بالإحاطة الجيدة بجسامة المخطط والأهداف التي
تتوخاها فرنسا لهذا الغرض.

كان الهدف تحضير «الفارين» من الجيش الفرنسي لمراقبة وقيادة الجيش الجزائري المستقبلي بعد الاستقلال.

من
المجدي الإشارة في هذا الإطار إلى التشابه بين رؤية الحكومة البلجيكية
بالنسبة للكونغو، الذي أصبح فيما بعد يسمى الزائير، ورؤية الحكومة
الفرنسية في تعاملها مع الثورة الجزائرية. الفرق الوحيد بين هاتين
الحالتين هو أن بلجيكا نجحت منذ البداية في وضع موبوتو في منصب جيد، وقد
كان حينها رقيبًا. لقد تمت ترقيته في أقل من سنتين إلى رتبة جنرال، ثم
قائدا للقوات المسلحة للجيش الكونغولي الشاب، وهو المنصب الذي سمح له أولا
بإزاحة الوزير الأول باتريس لومومبا، ثم الإطاحة بكاسافوبو الذي كان حينها
رئيسا للجمهورية. كان يكفي للرقيب موبوتو أربع أو خمس سنوات ليصبح رئيسًا
للدولة بمباركة القوة الاستعمارية السابقة.

أما
فيما يخص الجزائر، فقد كان على «الفارين» من الجيش الفرنسي انتظار شهر
جانفي 1992 لتنفيذ انقلابهم. لقد كان الطريق طويلا أمام الانقلابيين
الجزائريين، لكن في النهاية كانت النتيجة نفسها.

نذكّر
في هذا الصدد أن أول الضباط «الفارين» من الجيش الفرنسي كان الملازم عباس
غزيل والملازم الأول أحمد بن شريف اللذان التحقا، الأول بالولاية الأولى
والثاني بالولاية الرابعة في 1957، متبوعين في سبتمبر من نفس السنة
بالنقباء عبد المومن ومولود إيدير وزرقيني بالإضافة إلى الملازمين الأولين
بوعنان ومحمد بوتلة وعبد القادر شابو وسليمان هوفمان الذين التحقوا بجبهة
التحرير الوطني في تونس. وقد لحق بهؤلاء في 1958 و1959 على الخصوص
الملازمون الأولون عبد المجيد علاهم وعبد النور بقة والعربي بلخير ومحمد
بن محمد وحمو بوزادة ومصطفى شلوفي وعبد المالك ڤنايزية ومختار كركب
والحبيب خليلي وعبد الحميد لطرش ومداوي ورشيد مديوني وخالد نزار وسليم
سعدي.

في 1961، وقبل
أشهر من الاستقلال قامت مجموعة من «الفارين» مكونة من بعض العسكريين الذين
تمت ترقيتهم حديثا إلى رتبة ملازم من طرف فرنسا، بالالتحاق بجبهة التحرير
الوطني في المغرب وتونس. كان من بينهم محمد العماري ومحمد تواتي اللذان
أصبحا الرجلين الأولين في الجيش الوطني الشعبي منذ انقلاب 1992.

أما
بالنسبة للطيارين، الملازمين الأولين سعيد آيت مسعودان ومحي الدين لخضاري،
فقد التحقا بتونس في 1958 والقاهرة في 1957 على التوالي.

في
شهر ماي 1959، قامت مجموعة من «الفارين»(1) من الجيش الفرنسي الذين كانوا
مقيمين بڤرن الحلفاية حيث كانوا ينتظرون تعيينهم، بدعوة مجموعة من الضباط
الشباب المجاهدين الذين تكونوا في الأكاديميات العسكرية العربية، وذلك
ليناقشوا معهم مستقبل الجيش الجزائري.(2) وكان سليمان هوفمان أول من تناول
الكلمة لبدء جدول الأعمال. كان الموضوع يتعلق بالدور الذي سيقوم به الضباط
الحاضرون في ذلك الاجتماع من أجل تأطير وقيادة الجيش الجزائري بعد
الاستقلال. كانت رسالته واضحة: «نحن الضباط السابقون في الجيش الفرنسي
وأنتم الضباط المتخرجون من الأكاديميات العسكرية العربية، نشغل أحسن
المواقع ومحضرون أحسن من غيرنا، وهو الشيء الذي يسمح لنا بفرض أنفسنا وأخذ
قيادة الجيش الجزائري بعد الاستقلال نظرًا لمهنيتنا وخبرتنا وكفاءتنا.
علينا التفاهم من الآن حول توزيع الأدوار والمهام للوصول إلى قيادة الجيش
الجزائري المستقبلي». كانت مداخلته تدور كلها حول هذه الفكرة المحورية.
وكنت أول من ردّ على هذا العرض التمهيدي، بقولي: «لا يوجد هناك شيء مشترك
بيننا، فنحن قد التحقنا بجيش وجبهة التحرير الوطني عن قناعة سياسية وبدافع
الروح الوطنية للمساهمة بجانب شعبنا في الكفاح المسلح من أجل تحرير بلادنا
من نير الاستعمار، ونظرا لمهمتنا في جيش التحرير الوطني، ونحن غير متأكدين
من بقائنا على قيد الحياة عند الاستقلال، فنحن لسنا من أنصار التسلط
العسكري أما أنتم فقد جئتم من الجيش الفرنسي متأخرين بعد أن حاربتم في
الهند الصينية، ثم في الجزائر ضد مناضلي الحرية والاستقلال. إن الكلام
الذي قلته يبين أنكم في مأمورية، فبمجرد وصولكم وقبل الحصول على أي تعيين
أو مسؤولية في هياكل جيش التحرير الوطني، هاأنتم تفكرون مسبقًا في السيطرة
على الجيش الجزائري بعد الاستقلال. يبدو جليًا أن خطوتك تندرج في سياق
مخطط معد مسبقًا وحددت معالمه في باريس.»

سارع
سليمان هوفمان الذي لم يكن يتوقع رد فعل من هذا القبيل، إلى تبرير «فراره»
وفرار زملائه من الجيش الفرنسي قائلا: «لقد كان عليّ التخلي عن مرتبي
وشقتي وسيارتي «فودات» فضلاً عن وضع مريح في الجيش الفرنسي حتى آتي إلى
هنا لأجد نفسي محرومًا من كل شيء، إنه ضميرنا هو الذي أملى علينا هذه
التضحية.» فأجبته بأن: «استيقاظ ضميركم جاء متأخرًا... زد على ذلك فهناك
خلل فادح بين تخليكم اليوم عن بعض الامتيازات المادية والنعم الطائلة
والامتيازات التي قد توفرها لكم المنصاب الاستراتيجية في هرم المؤسسة
العسكرية بعد الاستقلال.» لأخلص إلى القول: «لا نستطيع قبول أيّ تحالف من
هذا النوع على حساب المصالح العليا لثورة الشعب الجزائري.» وهكذا تحددت
لهجة النقاش منذ البداية في كلا الصفين. كان النقاش صاخبًا وحادًا، وقد
تدخل بعض الإخوان من الجانبين بعذ ذلك وبلهجة أقل حدة نوعًا ما قبل أن
نفترق، تفرقنا قناعات سي

descriptionحـــــــــزب فـــرنــســا Emptyرد: حـــــــــزب فـــرنــســا

more_horiz
وقد أعلنوا،
فضلا عن ذلك، عن رفضهم لعسكرة جيش التحرير الوطني وضد كل محاولات إلغاء
شخصية المجاهدين. فحسب رأيهم، من المستحيل في حرب تحرير شعبية فصل الجانب
السياسي عن الجانب العسكري. أما فيما يخص التكتيك العسكري، فكانوا يرفضون
مبدأ حرب المواقع ويحبذون بالمقابل حرب العصابات القائمة على الاستعمال
الدقيق لوحدات متنقلة تدعمها وحدات طليقة مجهزة بأسلحة نصف ثقيلة (مدفع
هاون 81مم ومدافع 57مم و75مم ومدافع رشاشة مضادة للطائرات من عيار 12,5مم)
حسب الأهداف المتوخاة وحسب طبيعة الأرضية.

وأخيرًا،
فقد اصطدم مخطط كريم -إيدير في الميدان بحركة معارضة واسعة من طرف
المجاهدين على طول الحدود.
في الحقيقة، إن بعث برنامج تكوين عسكري ومحاولات إعادة تنظيم وحدات
الولاية الأولى المقيمة في المنطقة الحدودية الجنوبية قد قوبلت بالرفض
التام وبحركة انتفاضة ضد الضباط «الفارين» من الجيش الفرنسي، والتي انتشرت
بالتدريج لتمتد إلى وحدات من الولاية الثانية والقاعدة الشرقية المتموقعة
في المنطقة الشمالية.

اندلعت موجة العصيان من جراء حدثين متزامنين كانا يشكلان المرحلة التمهيدية لإعادة تنظيم الوحدات.

من
جهة، إبعاد ضباط مجاهدين من الولاية الأولى عن فرقهم، ومن جهة أخرى، إجبار
الوحدات التي تم بترها على تلقي تربص تدريب عسكري يقوم به «فارون» من
الجيش الفرنسي، «فكتائب كثيرة التحقت بقمة الجبل»(1). وقد اشتدت حركة
الفرار بشدة على مدى أسابيع وشهور. لقد تدهور الوضع إلى حد دفع كريم
مدعومًا ببن طوبال وبوصوف إلى الذهاب إلى المنطقة الجنوبية للحدود لإقناع
مجاهدي الولاية الأولى بقبول التدريب العسكري الذي يقوده النقيب زرقيني
«الفار» من الجيش الفرنسي، رفض المجاهدون الدعوة واستمروا في رفضهم(2).

لقد
كان مآل مهمة كريم وبن طوبال وبوصوف الفشل، لكن كريم ورئيس ديوانه واصلا
الدفاع عن مخططهما. وهكذا تخلى بن طوبال وبوصوف، اللذان كانا أكثر تأثرًا
برد فعل المجاهدين وأكثر حذرًا على الحفاظ على وحدة جيش التحرير الوطني،
من كريم، وطلبنا منه إنهاء مهام الرائد إيدير لإعادة النظام على الحدود.

بضع أسابيع بعد ذلك، كنت شاهدا على حادثة في غاية الخطورة، تمس سلطة كريم بلقاسم، الذي كان حينها وزيرًا للقوات المسلحة.

حدث
هذا في مركز التدريب بملاغ (كان يشرف عليه النقيب عبد المومن يساعده
النقيبان عبد المجيد علاهم ومحمد اليسين، كلاهما «فار» من الجيش الفرنسي)
حيث كنا قد وصلنا لتونا من غار ديماو، الرائد علي منجلي ويزيد بن بزار
وأنا، وقد كنا نحن الإثنين ملازمين أولين. في ساحة المعسكر وبالقرب من
مكتب النقيب عبد المومن دخل كريم بلقاسم وعلي منجلي في نقاش حول وضعية جيش
التحرير في الحدود وعدم النظام وحول الحالة النفسية للوحدات. وفي لحظة ما
تدخل الرائد إيدير لإبداء وجهة نظره، وفي هذه اللحظة استفزه علي منجلي ثم
صفعه صفعة احتقار أمام رئيسه كريم، فثارت ثائرة كريم، فنادى على الجنود
الموجودين بالقرب من مكان الحادثة وأمرهم بتوقيف الرائد علي منجلي، فلم
يكتف الجنود الموجودون بتجاهل أمره بل اعترت وجوههم علامات الابتهاج،
وسمعنا أحدًا منهم يقول: «بفضل الله مازال هناك رجال في جيش التحرير
الوطني».

ومن جهة
أخرى، كانت عمليات التمرد عن الضباط «الفارين» تتضاعف وتتشابه، فحالة
زرقيني، الذي رفضه مجاهدو الولاية الأولى، تبعتها حالات أخرى كثيرة، نذكر
بعضًا منها.

فعلى سبيل
المثال، نذكر النقيب محمد بوتلة(1) الذي عُيّن في الفيلق الأول تحت قيادة
سي نوار في المنطقة الشمالية، قام الجنود بتوقيفه وإعادته إلى قاعدته
الأصلية، وفي مركز التدريب بواد مليز، ثار الجنود ضد الملازمين العربي
بلخير ومداوي، وتعرض الملازم الأول مصطفى بن مصابيح إلى تعنيف من طرف
المجاهدين في معسكر التدريب بقرن الحلفاية.

ومن
جهة أخرى، فقد وقعت حوادث كثيرة بين ضباط مجاهدين وضباط «فارين»، بعض
الأمثلة جديرة بالذكر لتدعيم ذلك، فقد أهين النقيب عبد المومن وتلقى صفعة
من العقيد محمدي السعيد في مقر قيادته بغار ديماو بحضور عدد كبير من
المجاهدين الضباط، صبّ الرائد علي منجلي وابلا من الشتائم على الملازم
الأول سليمان هوفمان ووجه له صفعة بعد مشادة كلامية بمقر قيادة الفيلق
الثاني الذي كان يقوده النقيب عبد الرحمان سالم، بحضور هذا الأخير
والملازم الأول بن يزار وأنا، فضلاً عن مجاهدين آخرين. تبين هذه الحوادث
المتكررة، في الواقع، الاختلاف العميق والجدي بين المجاهدين و»الفارين» من
الجيش الفرنسي، حول سلوكات هؤلاء «الفارين» داخل جيش التحرير الوطني.

بالفعل،
فسمتهم التطاول والاحتقار والتسلط، ولا يتمتعون بأدنى تكوين سياسي،
مقطوعون عن حقيقة الميدان وتطلعات الشعب، هذه صفات الجنود «الفارين» من
الجيش الفرنسي الذين قاموا بكل الممارسات، من العمل البسيكولوجي إلى
الرشوة (عن طريق توزيع الامتيازات على المجاهدين لتحييدهم، مرورًا بالخداع
والتخويف بغية «إخضاع» (حسب مصطلحاتهم الخاصة) المجاهدين بهدف «الاستيلاء»
على جيش التحرير الوطني في الحدود، لكن الملاحظ أنهم فشلوا فشلاً ذريعًا
في هذه المرحلة(1)، وهكذا عمّت الفوضى والخلاف في داخل الوحدات على طول
الحدود، وسواءً كان ذلك في معسكرات التدريب أو في الوحدات التي تم تعيين
ضباط سابقين في الجيش الفرنسي بها، فإن العصيان كان عامًا ووصل إلى ذروته
في جويلية - أوت 1959.

ومن العواقب الأكثر سوءً المترتبة عن محاولات «الفارين» في «استيلائهم» على جيش الحدود بالشرق، نذكر على الخصوص:

لقد
ترتب عن مخطط إعادة تنظيم جيش الحدود تحييد هذا الأخير لمدة شهور عن
العمليات العسكرية ضد الجيش الفرنسي الذي كان قد استفاد من هذا التراجع في
تدعيم مواقعه على طول الحدود.
- تم تغذية الحزبية والقبلية وتأجيجها لأغراض مبنية على مبدأ «فرّق تسد».

- ضرب الحالة النفسية للمجاهدين الذين اضطربت روحهم القتالية.

- الارتفاع المحير لعدد المجاهدين الفارين والثائرين الذين انحطت معنوياتهم.

- زيادة تخوف المجاهدين، ضباطًا وجنودًا، بصفة معتبرة من وزارة القوات المسلحة ومن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية.

- انتشار روح التشاؤم داخل الوحدات.


وباختصار،
فقد كان لمحاولات فرض مخطط معد ومطبق من طرف «الفارين» من الجيش الفرنسي
عواقب وخيمة على جيش التحرير الوطني في الحدود، واستفاد منها جيش الاحتلال
على جميع الأصعدة.

لقد
اعتمد الضباط السابقون للجيش الفرنسي خلال هذه المرحلة على كريم بصفته
وزيرًا للقوات المسلحة لفرض أنفسهم وتنفيذ المرحلة الأولى من مخططهم بعيد
الأمد للاستيلاء على الحكم.

لكن
كان لكريم استراتيجيته الخاصة، فمن جراء الأزمة التي كانت تعصف بالقمة،
فقد كان كريم يفكر بدقة في استعمال هؤلاء الفارين من الجيش الفرنسي لتعزيز
موقعه في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية وإنهاء القيادة المشتركة
والثلاثية. لقد جلب هذا التسابق على الزعامة، ردود فعل في هرم المؤسسة
السياسية والعسكرية، واحتدمت الصراعات الداخلية، وكانت نتيجة تفاقم الأزمة
في قمة السلطة في نهاية المطاف هي إعادة تنظيم جيش التحرير الوطني في
1960، الذي لم يكن في صالح كريم.








2 -إعادة تنظيم جيش التحرير الوطني

والصراعات الداخلية في القمة

تعود
الأزمة السياسية في القمة خلال الفترة (1959-1960) إلى أسباب قديمة، ودون
العودة إلى اندلاع الثورة في 1954، فإن مؤتمر الصومام يمثل منعرجًا حاسمًا
في تطور مسار الأحداث التي طبعت فيما بعد جيش وجبهة التحرير الوطني في
القمة.

2-1- السياق السياسي: الصراعات في القمة:

واصل
كريم بلقاسم تدعيم دوره الريادي في جيش التحرير منذ مؤتمر الصومام في
1956، حيث استفاد من الدعم الثمين لعبان رمضان، في الحقيقة، فعبان وبدعم
من بن يوسف بن خدة هو باعث هذا المؤتمر ومهندس أرضية الصومام، لقد اشتغل
الثنائي كريم-عبان جيدا إلى غاية 1957 قبيل دورة اللجنة الوطنية للثورة
والعمل (CNRA) المنعقدة في أوت 1957، فكانت تلك هي اللحظة التي أظهر فيها
كريم أوراقه ليصبح رقم 1 في الثورة. فكان يعتقد أن تصفية عبان جسديًا في
ديسمبر 1957 والتي شارك فيها من شأنها أن تسهل له تحقيق أهدافه(1).

لقد
كرس اجتماع اللجنة الوطنية للثورة والعمل في أوت 1957 مبدأ أولوية جيش
التحرير الوطني، على عكس مؤتمر الصومام الذي كان قد تبنى مبدأ أسبقية
العمل السياسي على العمل العسكري وأسبقية الداخل على الخارج. وابتداء من
هذه اللحظـــة سيقوم المسؤولون العسكريون، وهم كريم وبوصوف وبن طوبال،
بقيــادة جيش وجبهة التحرير الوطني في الخارج باسم الشرعية التاريخية
والأسبقية في العمل. أصبحت القيادة ثلاثية، بعد وفاة عبان رمضان، تعمل
بصفة جيدة نوعًا ما.

وعند
إنشاء الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في سبتمبر 1958، لم ينجح كريم
في الحصول على الرئاسة التي أوكلت إلى فرحات عباس، وكان عليه الاكتفاء
بمنصب نائب الرئيس، ومنصب وزير القوات المسلحة مؤقتًا...

في
1959، دخلت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في أزمة، وفي جويلية قامت
القيادة الثلاثية المكونة من كريم وبوصوف وبن طوبال بتنظيم اجتماع العقداء
للتحكيم في الخلافات الداخلية.(1)

خلال
الاجتماع الماراطوني للعقداء العشرة، قُزّمت سلطة كريم من طرف زميليه
بوصوف وبن طوبال اللذين كانا يعتمدان على العقداء الموالين والمخلصين لهم،
وهم بومدين وكافي ولطفي لمواجهة الطموحات السلطوية لكريم الذي كان يتمتع
بدوره بدعم عقداء موالين له مثل محمدي السعيد ويزوران ودهيلس. أما مشاركة
الرائد إيدير التي كان يساندها كريم، فقد اصطدمت برفض بوصوف وبن طوبال.

عرف
«اجتماع العقداء العشرة» مناورات من كل نوع وانقطاعات عديدة، وهذا ما
تمتاز به كل أزمة عميقة، وهو ما جعل الاجتماع يدوم حوالي أربعة شهور.

ولما
كان بومدين وكافي ولطفي يقلقون كريم بمواقفهم المعادية، قرر القيام
بتوقيفهم بدعم من «الفارين» من الجيش الفرنسي، إيدير وبن شريف وزرقيني
وعبد القادر شابو وسليمان هوفمان.

الملازم
الأول يزيد بن يزار هو الذي أخبر بن طوبال عن المخطط السري لكريم(2) لقد
فجّر خبر المؤامرة الوضع ودفع بضباط جيش التحرير الوطني قادة الوحدات
المقيمة على الحدود الشرقية إلى مضاعفة الحذر.

أصبح
الوضع في الميدان في غير صالح كريم و»الفارين» من الجيش الفرنسي، هذا
الوضع يضاف إليه ضغوطات بوصوف وبن طوبال أدّى بكريم إلى التخلي عن مشروعه
في الحين.

واصل
العقداء العشرة أعمالهم وانتهوا إلى الاتفاق حول إعادة تشكيل اللجنة
الوطنية للثورة والعمل، حيث طبعها دخول العسكريين بقوة، أما ترشيحات
«الفارين» من الجيش الفرنسي المقترحة من طرف كريم فقد رُفضت بقوة لاسيما
من طرف بن طوبال والعقداء بومدين وكافي ولطفي، واستثني من ذلك بن شريف
الذي كان قد التحق أولا بجيش التحرير قبل الذهاب إلى تونس، حيث عُيّن في
1959 قائدًا للحدود من طرف كريم الذي كان حينها وزيرًا للقوات المسلحة.

إن
الجهد المتواصل بحدة لهؤلاء «الفارين» من أجل العضوية في أعلى مؤسسة
سياسية للثورة، دون أن يكونوا قد برهنوا على كفاءتهم في الميدان، وهذا بعد
سنة أو سنتين فقط من «التحاقهم» بجبهة التحرير الوطني في تونس، يؤكد فعلا
نيتهم في تشكيل كتلة داخل هرم مؤسسات الثورة ومؤسسات الدولة المستقلة
المستقبلية ونيتهم في السيطرة على هذه المؤسسات على أعلى مستوى، ويؤكد
تصريحات سليمان هوفمان أثناء الاجتماع الشهير مع الضباط المجاهدين
المتخرجين من أكاديميات عسكرية عربية الذي تحدثنا عنه فيما سبق.

لقد
سمح هذا الصراع في القمة «للفارين» من الجيش الفرنسي باختراق المؤسسات في
هذا المستوى العالي، مسدين في ذلك خدماتهم و»خبرتهم العسكرية» إلى وزير
القوات المسلحة في ذلك الوقت.

عقدت
اللجنة الوطنية للثورة والعمل المعينة الجديدة اجتماعًا في طرابلس في
ديسمبر 1959، لكن قبل التوجه إلى طرابلس ونظرًا للمناخ المتوتر بالحدود
الشرقية، أعطى الرائد علي منجلي لضباط الولاية الثانية ووحداتهم المتموقعة
في الحدود تعليمات بأخذ الحذر والحيطة وبالرد في حالة الاستفزاز من طرف
قيادة الحدود، التي يتولى قيادتها بالنيابة الملازم الأول مداني وهو نائب
أحمد بن شريف الوفي لكريم.

لتعزيز
وضعية كريم في اللجنة الوطنية للثورة والعمل، كان مداني يخطط لتوقيف ضباط
من الولاية الثانية. تمّ تنبيه يزيد بن يزار الوفي لبن طوبال وعلي منجلي
إلى تلك المؤامرة. فسارع قبل تنفيذ المخطط وقام باعتقال مداني ونقله
مباشرة إلى أوشطاطا غير بعيد عن مقر قيادة الفيلق الثاني لعبد الرحمان بن
سالم حيث تم حجزه من طرف مجاهدي الولاية الثانية.(1)

وقام بن يزار في نفس الوقت بشل حركة عضوين آخرين من قيادة الحدود، وهما سعيد عبيد وموسى حساني تحت طائلة التوقيف.

وعلمت
اللجنة الوطنية للثورة والعمل بخبر توقيف موالين لكريم من طرف ضباط من
الولاية الثانية، وهكذا كان كريم العاجز في الميدان والضعيف داخل اللجنة
الوطنية للثورة والعمل يرى آفاق سيطرته على جيش التحرير الوطني تبتعد،
وحلمه في أن يصبح القائد الأعلى للثورة يتبخر.

من القرارات التي اتخذتها اللجنة الوطنية للثورة والعمل، والتي تتعلق بموضوعنا نذكر:

إعادة
تشكيل الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، حيث كان كريم الخاسر الرئيسي.
لقد فقد وزارة القوات المسلحة وأصبح وزيرًا للشؤون الخارجية.

إنشاء
قيادة عامة للقوات المسلحة مسندة للعقيد بومدين يساعده الرائد علي منجلي
والرائد أحمد قايد والرائد رابح زرار المدعو عزالدين. لم يلتحق هذا الأخير
بالقيادة العامة العليا التي كان مقر قيادتها موجودًا في غار ديماو على
الحدود الجزائرية التونسية.

عندما
قبل بوصوف وبن طوبال تشكيل قيادة عامة يشرف عليها بومدين، هذا الرجل
الوفي، فإنهما لم يكونا يشكان مطلقًا في أن مرحلة جديدة للثورة قد بدأت
وستؤدي إلى القضاء عليهما.

لقد
تمّ استبدال اللجنة الوزارية المشتركة للحرب (C.I.G) بوزارة القوات
المسلحة تحت قيادة مشتركة تتكون من كريم وبوصوف وبن طوبال، وأسندت أمانتها
العامة للحاج عزوط الموالي لبوصوف.




2-2- القيادة العامة تعمل على ارتقاء «الفارين»:

لقد
تشكلت القيادة العامة على أسس أزمة، بالموازاة مع الأزمة السياسية على
مستوى الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية واللجنة الوطنية للثورة
والعمل، عرف جيش التحرير الوطني بالحدود حركة شبه عامة من العصيان
والفوضى، كما هو مشار إليه سابقًا.

يبدو في هذا السياق، أن إنشاء القيادة العامة العليا قد جاء في وقته.

لكن
تشكيلة القيادة العامة العليا لم تكن متناسقة، فعلي منجلي كان ثوريًا
مقتنعًا، وقائدًا عسكريًا وسياسيًا شجاعًا صارمًا شديدًا، وكان يفكر في أ
يحدث توازنًا بجيش التحرير الوطني للحدود ضد الحكومة المؤقتة للجمهورية
الجزائرية وبالضبط ضد القيادة الثلاثية المشكلة من كريم وبوصوف وبن طوبال
من أجل الحفاظ على الثورة من الانحرافات التي تتربص بها الدوائر.

وكان
ينوي من جهة أخرى تدعيم الجيش بالوسائل البشرية والمادية ـلاسيما بالأسلحة
العصرية) للقيام بعمليات عسكرية واسعة ضد الجيش الفرنسي والتنفيس هكذا عن
جيش التحرير الوطني بالداخل الذي يتوفر على تجهيز جيد والمقطوع عن الخارج
بحاجز مكهرب مزدوج على طول الحدود وهما خط موريس وخط شال.

لقد
كانت لعلي منجلي على ما يبدو خطة شاملة ومتناسقة، سياسية وعسكرية، بغية
«إنقاذ الثورة». كان هذا يبدو انشغاله الأساسي. لم يكن يبدو عليه أنه يفكر
في لعبة شخصية ولم تكن لديه استراتيجية لأخذ السلطة.

وعلى
العكس من ذلك، فإن أعمال بومدين على رأس القيادة العامة العليا كانت تندرج
في إطار استراتيجية خاصة لأخذ السلطة، وهو ما بدأت تظهر ملامحه ابتداءا من
1961.

كان بومدين يبدو
هادئا، باردا، وكان سلطويا بعيد النظر ورجل نظام يسانده داخل القناة
العامة العليا أحمد قايد المدعو سليمان وقد أصبح واعيا بأهمية الدور الذي
بوسعه القيام به في المستقبل، منذ اجتماع «العقداء العشرة» واجتماع اللجنة
الوطنية للثورة الجزائرية، حيث تم إضعاف مواقع الثلاثية من جراء الهجومات
العديدة التي وجهها لها لاسيما على منجلي وأحمد قايد.

وبعد
تعيينه على رأس القيادة العامة العليا، بدأ بومدين منذ تلك اللحظة في
العمل مستقلا مبتعدا بذلك تدريجيا عن بوصوف رئيسه كان يهدف آنذاك إلى
إعادة تنظيم جيش الحدود وجعله قوة ضاربة ضد الجيش الفرنسي، وقوة سياسية
بوسعه الإعتماد عليها بعد الاستقلال.

أصبحت قياد الأركان العامة منذ إنشائها مركز تلاقٍ بين القوى المتعارضة. وهكذا كانت قيادة الأركان العامة تمثل عامل توحيد.

كانت
قيادة الأركان العامة من جهة تعتمد على الضباط المجاهدين لكن هؤلاء الضباط
كانوا يخشون أن يقع في الجزائر نفس ما حدث للمجاهدين التونسيين الذين تمت
التضحية بهم على مذبح الإستقلال من طرف النظام الجديد. في الواقع لم يكن
هؤلاء الضباط في جيش التحرير الوطني يثقون في الحكومة المؤقتة للجمهورية
الجزائرية التي كانوا يستنكرون ويفضحون انحرافاتها. كانوا يرون أنه عليهم
الاحتفاظ بحريتهم في العمل بعد الاستقلال لضمان استمرارية الثورة (1).

فكثيرون
هم الجنود وإطارات جيش التحرير الوطني الذين كانوا يخشون أن تحيد الثورة
عن مسارها الطبيعي وأن يكونوا محل متابعة وتكون خيانة للشهداء. ولما كان
بومدين مدركا لأهمية قوة المجاهدين وتمثيلهم، فقد كان يردّد لهم مباشرة
بعد إنشاء قيادة الأركان بأنه لن يسمح أبدا بأن يتم التضحية بالمجاهدين
الجزائريين بعد الاستقلال كما حدث في تونس(2).

ومن
جهة أخرى كان أعضاء قيادة الأركان العامة يريدون استرجاع «الفارين» من
الجيش الفرنسي رغبة في استعمالهم لصالحهم من أجل تنفيذ مشروعهم في إعادة
تنظيم جيش الحدود وعصرنته.

لم
تأخذ قيادة الأركان، خاصة بومدين، بعين الاعتبار تحذيرات الضباط الوطنيين
الشباب المتخرجين من أكاديميات عسكرية عربية(3). بل أنهم استهانوا بقدرة
«الفارين» من الجيش الفرنسي على تنفيذ مخططهم في السيطرة على الجيش في يوم
ما.

قررت قيادة
الأركان العامة منذ تنصيبها أن تنشئ على مستواها «مكتبًا تقنيًا» أسند
الإشراف عليه إلى «فارين» مثل زرقيني وسليمان هوفمان ومحمد بوتلة الذين
كانوا قد فشلوا في كسب ثقة المجاهدين كما بيناه آنفا. وتم تعيين «فارين»
آخرين مثل حمو بوزادة ومصطفى شلوفي في مصلحة التسليح. وآخرون مثل النقيب
عبد المومن والملازمان الأولان بورنان والعربي بلخير حافظوا على مناصبهم
في إدارة مراكز تدريب رغم المشاكل الكبيرة التي كانت لهم مع المجاهدين منذ
تعيينهم بهذه المراكز في 1959. رقي الملازم الأول عبد القادر شابو الذي
كان يشرف على المعسكر «الزيتون» قرب غار ديماو، إلى عضو في قيادة المنطقة
الشمالية في نفس الوقت مع ضابطين مجاهدين وهما الشاذلي بن جديد وبن أحمد
عبد الغني.

سنرى لاحقا
كيف أن قرارات تعيين «الفارين» هذه في هرم هيئة جيش التحرير الوطني
المتخذة في 1960، ستكون قاتلة للجزائر بعد الاستقلال، وبالأخص بعد انقلاب
جانفي 1992 الذي أغرق الجزائر في حمام من الدم ورمى بها في أزمة متعددة
الأبعاد لتعود بالبلاد بثلاثين عاما إلى الوراء.

بعد
تعيين «فارين» في هذه المناصب الحساسة المختلفة، كلفت قيادة الأركان
العامة أعضاء «المكتب التقني»، وهم زرقيني وهو فمان وبوتلة الذين تم
إلحاقي بهم، بالقيام بإعادة تنظيم وحدات جيش التحرير الوطني في فيالق
وبتشكيل الكتائب الثقيلة، وهي مايقال لها الفيالق لكنها مجهزة بأسلحة
ثقيلة كانت إعادة التنظيم هذه تخضع لمنظمة وافقت عليها مسبقا قيادة
الأركان العامة.

يتم تكوين كل فيلق أو كتيبة ثقيلة في موقع قريب من منطقة نشاطها بحضور بومدين ومنجلي(1).

يتم
تشكيل المجموعات والفرق والكتائب فضلا عن قيادة كل فيلق، عن طريق تعيين
جنود وضباط صف وضباط بالإسم في مناصيهم ويتم تجهيزهم بالسلاح اللازم. كانت
تدوم عملية تشكيل الفيلق أو الكتيبة الثقيلة يوما كاملا.

وهكذا كان أعضاء قيادة الأركان العامة، يرافقهم بوتلة وبراهيمي وهوفمان وزرقيني، وتزويدهم بالسلاح اللازم.

قسمت الحدود الشرقية إلى منطقتين:

«منطقة العمليات في الشمال» وأسندت قيادتها لعبد الرحمان بن سالم محمد بن أحمد عبد الغني والشاذلي بن جديد وعبد القادر شابو.

«منطقة العمليات في الجنوب» وتم إسناد قيادتها لصالح سوفي مع نائبين، وهما سعيد عبيد ومحمد علاق.

المنطقة
الشمالية كانت تتميز بتمركز قوي للوحدات، وهذا بديهي جدا نظرا للتضاريس
ولطبيعة الأرض. فعلا فمنطقة الشمال منطقة جبلية كبيرة وبها منحدرات وأحراش
كثيرة حيث أن الغابات بها كثيفة، على عكس المنطقة الجنوبية حيث الأرض
منبسطة، وإن وجدت بها جبال فهي عارية.

أما أقصى الجنوب فهو عبارة عن صحراء، وقد اسندت قيادة الوحدات العاملة بها للمجاهد محمد قنز.

تتطـلب
طبيعة الأرض تأقلـــم الوحــدات بصفــة ملائمــة. كان الدعــم اللوجيستيكي
للوحدات وتموينها تتكفل بهما هيئة متخصصة تسمى «قيادة الحدود» يوجد مقرها
بكاف.

ترتب عن إعادة
تنظيم جيش التحرير الوطني بالحدود، بصفة عامة، اختلاط الجنود وضباط الصف
والضباط، وتشكيل وحدات تحت قيادة موحدة وممركزة. لقد تم في الواقع تنفيذ
المخطط الذي أعدة «الفارون» من الجيش الفرنسي والذي كان قد رفض من قبل من
طرف المجاهدين في صيف 1959 لأنه صادر عن وزارة القوات المسلحة وتطبعه
خلفيات سياسية في مناخ متأزم. وفي عام 1960 تغيرت الظروف السياسية بإلغاء
وزارة القوات المسلحة وإنشاء قيادة الأركان العامة التي يشرف عليها ضباط
مجاهدون.

لقد رمت
قيادة الأركان بكل ثقلها من أجل توحيد الفرق وتكوين جيش عصري مدرب ومجهز
جيدا لتحضيرها (لم ندرك ذلك إلا فيما بعد) هكذا لأخذ الحكم بعد الاعلان عن
الاستقلال.

يبدو جليا
أنه منذ إنشاء «المكتب التقني» فإن «الفارين» من الجيش الفرنسي كانو
يستفيدون من ترقية وراء ترقية. وهكذا فخالد نزار (الذي أصبح قائدا للأركان
في 1989) ثم وزيرا للدفاع في 199، وأخيرا عضوا في المجلس الأعلى للدولة
بعد انقلاب 1992 الذي خطط له هو ونفذه مع العربي بلخير. وعبد المالك
قنايزية (والذي كان قائدا للأركان أثناء انقلاب 1992) وعباس غزيل (قائد
الدرك الوطني بين 1988و1997) وسليم سعدي (الذي أصبح وزيرا للفلاحة في 1979
ووزيرا للداخلية في حكومة رضا مالك «الاستنصالية» بين 1993و1994) وحبيب
خليل (مدير مركزي بوزارة الدفاع الوطني بين 1962و1990) فضلا عن
«فارين»آخرين (ولاؤهم لفرنسا غير بارز)، هؤلاء عملوا للارتقاء سنة 1960
إلى قواد فيالق، أو مايشبه ذلك، قواد كتائب ثقيلة.

تمكن
إذن الغلطة التي ارتكبتها قيادة الأركان في اعتقادهم أن «الفارين»من الجيش
الفرنسي، بافتقارهم إلى الشرعية التاريخية وإلى الدعم داخل جيش التحرير
الوطني، يمكنهم استعمالهم دون خطر لأنهم يؤدون دورا «تقنيا»في تأطير
الفرق، كانت قيادة الأركان تعتقد أنه بوسع هؤلاء «الفارين» المساهمة في
تحسين أداء الجيش في الميدان دون أدنى خطر على الثورة. في حقيقة الأمر، لم
يكن إنشاء فيالق أسند الإشراف عليها «للفارين»بحضور بومدين ومنجلي وبن
سالم وبن جديد يمثل تزكية سياسية وحسب، بل إن هؤلاء «الفارين» منح لهم ذلك
شرعية كانوا يفتقدون إليها. فمنذ تلك اللحظة أصبحوا يتمتعون بثقة قيادة
الأركان وقيادة المنطقة المعنية كانت قيادة الأركان ترى أن إستعادة النظام
والطاعة يجب أن تكون لها الأولوية قبل أي اعتبار آخر فالجنود الذين كانوا
يفرون من وحداتهم ثم عادوا، فضلاً عن الشواذ جنسيا كان يحكم عليهم
بالإعدام الذي يتم تنفيذه.. وكانت قيادة الأركان من جهة أخرى، تفرض صرامة
كبيرة في التسير المالي وفي تموين الجيش.

إن
ترقية «الفارين» من الجيش الفرنسي من طرف قيادة الأركان في بداية 1960 كان
يمثل معلما مهما في استراتيجيتهم للإستيلاء على الحكم بعد الاستقلال.

في هذا الوقت، كان هدفهم هو تقوية الثقة التي وضعت فيهم من طرف قيادة الأركان وتعزيز مواقعهم مع الأيام.

إن
الأزمة التي اندلعت بين قيادة الأركان والحكومة المؤقتة للجمهورية
الجزائرية في بداية عام 1961 قد زادت من اعتقاد الأركان بأن توحيد ومركزة
قيادة الجيش العامل على الحدود يمئلان ورقة رابحة لصالهحم، ولهذا تحتم
قيادة الأركان الإعتماد على كل قادة الفيالق وكتائب الثقيلة، بما فيهم
طبعا «الفارون» من الجيش الفرنسي الذين كانت هكذا سلطتهم تتأكد، و«شرعيتهم
الثورية» تقبل أخيرا.





2-3- الأزمة بين قيادة الأركان والحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية:

كان
لإعادة تنظيم جيش التحرير الوطني بالحدود من طرف قيادة الأركان من دون شك
أثر إيجابي عموما على حالة الجنود النفسية وعلى روحهم القتالية. فقد تم
استعادة النظام والطاعة. وتم تحسين حالة التسليح وتموين الوحدات المقاتلة.
وتم فرض مزيد من الصرامة في التسيير المادي والمالي لمناطق العمليات
والفيالق. وتضاعفت الهجومات على خط شال المكهرب وضد الفرق الفرنسية
المكلفة بحراسته. وكانت أخبار الخسائر المادية والبشرية في صفوف الجيش
الفرنسي ترد يوميا إلى قيادة الأركان ومنطقتي العمليات للشمال والجنوب
بفضل جهاز تصنت وضعته أجهزتهم للإتصالات. وكان لهذه المعلومات بعد ذلك أثر
رهيب على مسؤولي الوحدات التي قامت بتلك الهجومات، وقد كانت النتائج
مشجعة. وزادت عمليات مضايقة الجيش الفرنسي.

وكانت
الهجومات التي يقوم بها قادة الفيالق بمبادرة منهم ترافقها عمليات واسعة
تقررها قيادة الأركان أو قيادة منطقة العمليات المعنية والتي كانت تتطلب
المشاركة المتزامنة لعدة فيالق تسندها كتائب ثقيلة مزودة بأسلحة ثقيلة
بعيدة المدى. هذه الانتصارات العسكرية التي سجلتها وحدات جيش التحرير
الوطني المتموقعة في الحدود اعترفت بها السلطات الفرنسية كما يشهد على ذلك
تقرير رسمي موجه إلى مجلس الشيوخ الفرنسي. «قبل 1960، كانت الموانع
الكهربائية والحواجز غير العميقة تكفي ضد خصم تلك الفترة، الذي كان يقوم
بمحاولات عبور منعزلة أو بمجموعات صغيرة فقط، وابتداءً من خريف 1960
ونظرًا للوسائل التي يستعملها المتمردون، فإن وسائل الاستشعار والمراقبة
قد أثبتت عدم دقتها، فالهجومات التي تتعرض لها الآليات المصفحة المكلفة
بالحراسة والتدخل قد استخدم فيها عتاد أكثر قوة وأصبحت أكثر فعالية.»(1)

بلغ
تعداد جيش التحرير الوطني على الحدود الجزائرية التونسية 16000 رجل،
منظمين في 23 فيلقًا و 5 كتائب ثقيلة تدعمت في 1961 بفرق ذاتية مزودة
بمدافع من عيار 87مم ذات مدى بعيد ومدافع هاون من عيار 120مم، ولم يتجاوز
تعداد جيش التحرير الوطني على الحدود الجزائرية المغربية 8000 رجل قبيل
الاستقلال.

يضاف إلى
الوحدات القتالية، هياكل أخرى مثل قيادة الحدود (CDF) (إدارة المالية،
نشاطات اجتماعية) والمحافظة السياسية (كان مقرها موجودًا بالمقر العام
لقيادة الأركان) ومراكز التدريب العسكري ومصالح الاتصالات والأمن
العسكري...إلخ

وفي
الوقت نفسه الذي كانت تقوم فيه قيادة الأركان بتعزيز القوات التي تتوفر
عليها في الحدود، كانت تنوي أيضًا توسيع سلطتها إلى الولايات بالداخل،
وهنا اصطدمت قيادة الأركان برفض من اللجنة الوزارية المشتركة للحرب، ولما
كان كريم وبوصوف وبن طوبال يتمتعون بسلطتهم داخل الحكومة المؤقتة
للجمهورية الجزائرية وتساندهم الولايات (التي نصبوا على رأسها قادة
موالين) فإنهم كانوا يفكرون في حصر صلاحيات قيادة الأركان على الوحدات
المتموقعة في الخارج فقط. فقد احتد الصراع في هذا الشأن بين اللجنة
الوزارية المشتركة للحرب وقيادة الأركان طوال شهور. كانت رغبة اللجنة
الوزارية المشتركة للحرب هي أن تبقى سيدة الوضع، سواء في المجال السياسي
حيث تتمتع بدعم الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، أو في المجال
العسكري حيث أن كريم وبوصوف وبن طوبال مازالوا يتحكمون في معظم الولايات.

وبدأت
اللهجة تتصاعد بين الهيئتين، لأن كل واحد بقي متشبتا بمواقفه وهكذا وضعت
اللجنة الوزارية المشتركة للحرب قيادة الأركان في موقف لامفر منه وذلك
بأمرهم بالدخول إلى الجزائر قبل نهاية شهر مارس 1961. كانت قيادة الأركان
توجد في وضعية متناقضة، فمن جهة، نجد سلطتها محصورة في جيش التحرير الوطني
بالخارج دون الولايات، ومن جهة أخرى تلقوا انذار للالتحاق بالجبل وقيادة
جيش التحرير من داخل البلاد.

كان
الشراك المنصوب لقيادة الأركان كبيرا، وهكذا بدأ رهان القوة بين الهيئتين.
فأبقت قيادة الأركان على مقرها في غارديماو على الحدود الجزائرية
التونسية. إن السباق إلى السلطة قد انطلق آنذاك بين أعضاء قيادة الأركان
العامة والقيادة الثلاثية المكونة من كريم وبوصوف وبن طوبال. فالخلاف بين
قيادة الأركان واللجنة الوزارية المشتركة للحرب بدأت تزداد خاصة فيما
يتعلّق برفع القدرة العسكرية لجيش التحرير في الداخل وعلى الحدود، وكذلك
التموين بالسلاح وحجم المساهمات المالية الموجهة للاجئين الجزائريين
الموجودين في المناطق الحدودية..إلخ. بإختصار فإن الخلافات بين الهيئتين
كانت تمس الجو هو كما تمس الشكل فيما يخص تطبيق قرارات اللجنة الوطنية
للثورة الجزائرية المتعلقة بزيادة قوة جيش التحرير الوطني وتدعيم الثورة.

ففي
هذا السياق وقعت حادثة سوف ترسخ الخلافات جاعلة حدة التوتر تزداد بين
قيادة الأركان والحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية. ففي جوان 1961 أسقط
جيش التحرير الوطني طائرة فرنسية فوق مركز التدريب بواد ملاغ حيث كانت
تقوم بمهمة استطلاعية وتم اسر طيارها.

وطلبت
الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية من قيادة الأركان بتسليم الأسير إلى
السلطات التونسية. رفضت قيادة الأركان الاستجابة وحاولت ربح الوقت مدعية
أن الطيار قد مات. فهددت الحكومة التونسية تدعمها في ذلك الحكومة المؤقتة
للجمهورية الجزائرية قيادة الأركان بالتدخل عسكريا ضد جيش التحرير الوطني
ان لم يسلموا لها الطيار حيا أو ميتا. وأمام إلحاح اللجنة الوزارية
المشتركة للحرب، قرر بومدين (الذي بقي محافظا في تلك اللحظة على علاقة
طيبة يشوبها الحذر مع بوصوف، رئيسه السابق) لوحده تسليم الطيار الأسير دون
إستشارة زميليه الرائدين منجلي وقايد، وقد طلب هذان الأخيران من بومدين
تفسيرا لفعله. لقد أبرزت هذه الحادثة علانية إختلاف التصورات داخل قيادة
الأركان. فمن جهة كان بومدين الحذر والهادئ والمتبصر يريد تفادي كل مواجهة
مع الحكومة المؤقتة للجمهور الجزائرية ومداراة بوصوف وبن طوبال، ومن الجهة
الأخرى كان على منجلي وقايد أحمد، رغم اختلاف طباعهم، يمتازان بمزاج
اندفاعي وقتالي متحمس. فكانا لايخشيان المواجهة مع الحكومة المؤقتة
للجمهورية الجزائرية.

وهكذا
بدأت قيادة الأركان في شن حملة على الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية
في اتجاهين. أولا على مستوى الجيش فقد تم إعلام قيادة منطقتي العمليات
بالشمال والجنوب وكل قادة الفيالق عن خطورة الأزمة بين قيادة الأركان
والحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية. فقد أتهمت الحكومة المؤقتة
للجمهورية الجزائرية بالتسبب في إلحاق الضرر المعنوي بالجيش بإهانته.
وأستنكر على الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية وقوفها إلى جانب الحكومة
التونسية في قضية الطيار الفرنسي مبتعدة عموما بذلك عن الثورة بتصرفها
وسلوكها البورجوازي. وقد نجحت قيادة الأركان في تجنيد مسؤولي جيش الحدود
في موقف تضامن وموحد لأهداف الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزآئرية التي كان
تنعت بالأطماع الانحرافية.

ومن جهة أخرى، تم شن حملة من الطبيعة نفسها في أوساط اللاجئين الجزائريين لإضعاف سلطة الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية.

كانت
الأزمة بين الهيئتين تزداد تفاقما مع مرور الأيام والأسابيع في جويلية من
1961 عقدت قيادة الأركان اجتماعا بمقرها في غارديماوى دعي إليه أعضاء
قيادتي منطقتي العمليات للشمال والجنوب وكل قادة الفيالق والكتائب
الثقيلة. خلال هذا الإجتماع العلني، وبعد قيامهم بتحليل للوضعية وابرازهم
لطبيعة الأزمة الموجودة بين الحكومة المؤقتة وجيش التحرير الجزائري، أبلغ
أعضاء قيادة الأركان مسؤولي جيش الحدود قرارهم بتقديم استقالتهم للحكومة
المؤقتة، وطلبوا منهم أن يلتزموا الحيطة والحذر وأن يحافظوا على وحدتهم في
غيابهم، الكل كان يعلم أن هذا ماهو سوى مناورة وليست استقالة فعلية. كانت
قيادة الأركان تدرك أنها تتمتع بدعم دائم وتام من طرق قادة الفيالق، وهو
ماشجع أعضاءها إلى القيام بتلك المناورة التي تبدو ظاهرية كمجازفة، وهذا
لإضعاف موقف الحكومة المؤقتة وفرض نفسهم كمحاور لايمكن تجاهله أو رفضه.

لاحظنـــا
خلال هـــذا الاجتمــــاع أن بومــدين، الذي كان يرتــدي نظارات سودا في
قاعة مظلمة نوعاما، قد اكتفى بافتتاح الجلسة ببعض الكلمات تطبع عليها لهجة
مؤثرة لم نعهدها فيه قبل إحالة الكلمة لمنجلي(1). وقام منجلي في خطاب
حماسي طويل.

فضح فيه
تصرفات الحكومة المؤقتة التي وصفها بأنها تناقض المصالح العليا للثورة
باعتماده على مبررات دقيقة وفق تسلسل منطقي لتأكيد نية الحكومة المؤقتة في
إضعاف جيش التحرير الوطني وقيادته. كان على منجلي يهدف، بكلام مباشر واضح
وبالغ التأثير، إلى التجنيد التام لكل قادة الفيالق حول قيادة الأركان بعد
استقالتهم.

وقبل
انساجمهم، قام أعضاء قيادة الأركان بتعيين لجنة بالنيابة مكونة من ثلاثة
أعضاء يرأسهم عبد الرحمان بن سالم، قائد منطقة العمليات بالشمال.

منذ
تلك اللحظة بدأت العلاقة تتوتر بين بومدين وعلى منجلي. كان يعلم بخلافاتهم
عدد قليل من الأصدقاء المقربين. وسيدفع على منجلي الثمن غاليا عن مواقفه.
بالفعل فقد تخلص منه بومدين غداه الاستقلال، وهو عضو في القيادة العامة،
حيث اقترحه دون علم منه كمرشح للمجلس التأسيسي في المكتب السياسي لجبهة
التحرير الوطني الذي أوكلت له مهمة تحضير الانتخابات التشريعية في سبتمبر
1962، وهكذا وجد علي منجلي نفسه نائبا رغم أنفه.

وفي
الحقيقة فإن المحرض الأساسي على المواقف الثورية لقيادة الأركان ضد اللجنة
المشتركة والحكومة المؤقتة لم يكن سوى على منجلي يسانده قايد أحمد. على
عكس بومدين الذي كان فاترا ودقيقا في الحسابات حيث كان يتحرك إلى الأمام
بحذر كبير. ومع مساندته الضمنية لهجومات منجلي وقايد الملتهبة ضد اللجنة
المشتركة والحكومة المؤقتة، فقد كان يعمل على تركيز هجوماته ضد كريم
والحفاظ على علاقات طيبة لاسيما مع بوصوف رئيسه السابق، الذي لم ينفصل عنه
إلى في 1962، عندما تمت القطيعة بين قيادة الأركان والحكومة المؤقتة وبعد
تربع جيش الحدود فعليا على السلطة





2-4- الخلاف بين قيادة الأركان والحكومة المؤقتة

حول المفاوضات مع فرنسا واتفاقيات إيفيان

-
سياق المفاوضات مع فرنسا:
يجد التذكير بأنه قبل بعث المفاوضات مع جبهة التحرير الوطني في جوان 1960
بمولن، قامت فرنسا بتعزيز قدراتها العسكرية بصفة معتبرة في الجزائر منذ
1958، واستعملت كل الوسائل «للقضاء» على جيش التحرير الوطني. لكن ديغول،
وبعد حرب ضارية ودون هوادة خاضها بالضبط منذ توليه السلطة أدرك في آخر
المطاف سنة 1960 أن الجيش الفرنسي رغم تفوقه العسكري وسلاحه الجهنمي
لايستطيع احراز تفوق عسكري على جيش التحرير الوطني. لأن هذه الحرب كان لها
بعد سياسي وامتداد شعبي فإذا كان الجانب الفرنسي يحارب من أجل بقاء نظام
استعماري بهذه المنطقة من العالم، فإن الجزائريين كانوا يحاربون من أجل
نزع استقلال وحرية وطنهم للعيش في كرامة وعدل.

ربما
كان ديغول يريدتجريب الخيار العسكري إلى أقصى الحدود ليظهر للجنرالات
الذين جاؤوا به إلى السلطة حدود سياستهم المتطرفة. وعلى الصعيد العالمي،
كانت الحكومة المؤقتة تسجل النجاحات وتكسب الدعم الديبلوماسي والسياسي
والعسكري والإنساني (مساعدات موجهة للاجئيين الجزائريين في تونس والمغرب)
من الدول العربية وعدد كبير من دول عدم الإنحياز ومن الصين والإتحاد
السوفييتي ودول أوربا الشرقية،

ومن
جهة أخرى، بدأت تظهر في فرنسا منذ 1957-1958 لاسيما منذ 1960 حركة معارضة
واسعة للحرب الجارية في الجزائر، وبدأ أيضا تنظيم شبكات لدعم جبهة التحرير
الوطني. وكان المثقفون الكاتوليك ثم اليساريون يحاولون بدورهم تجنيد الرأي
العام الفرنسي ضد حرب الجزائر(1).

وفي
هذه الظروف قبل ديغول مبدأ استقلال الجزائر إلا أن الحكومة الفرنسية عملت
جاهدة على تلغيم هذا الاستقلال بعملها على استحلاف نظام استعماري كان
قائما آنذاك بنظام ذي طابع استعماري جديد كما سنوضحه لاحقا.

نقاط الاختلاف الأساسية بين قادة الأركان والحكومة المؤقتة. حول اتفاقيات إيفيان

حاول
الجنرال ديغول آنذاك دعم «القوة الثالثة» في الجزائر التي شجعتها
مختلــــف الحكومـــات الفرنسيــة قبله. ويتعلق الأمر بحركة سياستها موجهة
لقيادة البلاد وتهميش جبهة التحرير الوطني كان يجب على هذه «القوة
الثالثة» (سنعود إلى الحديث عنها لاحقا بأكثر تفصيل) أن تتكون من جزائريين
موالين لفرنســــا ومعـادين لجبهة التحرير الوطني ويتعين عليها القيام
بتنفيذ سياسة «اتحاد مع فرنسا».

وبعد
أن فشلت الحكومة الفرنسية في ابراز «القوة الثالثة» من الناحية التنظيمية
في أجل قصير ونظرا للظروف الداخلية والخارجية التي لم تكن في صالح فرنسا،
وبعد تخليها عن المطالبة بإشراك الحركة الوطنية الجزائرية في المفاوضات،
قررت في الأخير استئناف المفاوضات مع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية
بإيفيان في ماي 1961.

كانت الانتقادات تمس لاسيما النقاط التالية(1).

-
إنشاء جيش يطلق عليه إسم «قوة محلية» مكونة من 40000 رجل يؤطرهم ضباط
وضباط صف جزائريون مازالوا في الخدمة في الجيش الفرنسي في 1962، وضباط
فرنسيون يعملون في إطار التعاون الفني.

- احتفاظ الجيش الفرنسي بقاعدة مرسى الكبير مدة 15 عاما وكذلك قاعدة عين أكر لمواصلة التجارب النووية الفرنسية.

-
الإبقاء على الجهاز الإداري القائم والمكون من 80000 موظف منهم 65600
فرنسي و14400 جزائري الذين استفادوا من الترقية الاجتماعية منذ لاكوست
(1956).

- الحفاظ على
الليبرالية الاقتصادية والمصالح والإمتيازات الفرنسية القائمة عند
الاستقلال. وعلى النظام الجزائري الجديد مواصلة تنفيذ مخطط قسنطينة المعد
في 1959 والذي كانت له أفاق استعمارية.

- الحفاظ على هيمنة اللغة الفرنسية وترقيتها على حساب اللغة العربية.

-
احترام الخصوصيات العرقية واللغوية والدينية للفرنسيين الذين سيكون لهم
إلى غاية 1965 الخيارين الجنسية الفرنسية والجنسية الجزائرية.

-
إنشاء «هيئة تنفيذية مؤقتة» مهمتها تسير والشؤون العامة خلال المرحلة
الانتقالية، بين تاريخ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ وتاريخ تنظيم
الاستفتاء في جويلية 1962(2).

في
اجتماع ضم قادة الفيالق والكتائب الثقيلة نظمته قيادة الأركان كان الرائد
علي منجلي، وهو عضو في الوفد الجزائري في مفاوضات إيفيان، يتحدث عن
الاستسلام ويتهم الحكومة المؤقتة برغبتها في القضاء على جيش تحرير الوطني،
كان يرى أن الإمتيازات الممنوحة لفرنسا في المجال الاقتصادي والعسكري
والثقافي معقولة لأنها ترهن الاستقلال وتلغمه. كانت قيادة الأركان ترى أن
الحكومة المؤقتة قد خانت الثورة ليس بقبولها تلك التنازلات فحسب، بل لأنها
كانت ترغب كذلك في إقامة نظام بورجوازي من النوع الرأسمالي موال لفرنسا
بعد إحراز الاستقلال.

وبفعل حدة النزاع المتزايد تحولت الاختلافات بين قيادة العامة والحكومة العامة المؤقتة حول إتفاقيات إيفيان إلى المواجهة.

لقد
بدأ الصراع حول السلطة وانطلق السباق نحو الحكم بين الهيئتين بعد اجتماع
المجلس الوطني للثورة الجزائرية الذي انعقد في فيفري 1962 للموافقط على
اتفاقيات إيفيان.

وأصبح جيش التحرير الوطني، الذي يعتبر أساس كل شرعية، الرهان الأساسي. وهنا أيضا يبرز تصوران متناقضان.

فبالنسبة
للقيادة الثلاثية، كريم وبوصوف وبن طوبال، ترتكز شرعية الحكم على الولايات
التي كانوا المسؤولين عليها (إلى غاية 1957، تاريخ انتقالهم إلى الخارج)
والتي عينوا على رأسها من يخلفهم زيادة على ذلك، فإن شرعيتهم مستمدة، حسب
رأيهم، من صفتهم كزعماء تاريخيين.
أ

ما بالنسبة لأعضاء
قيادة الأركان، فإنهم كانوا يعتبرون أنفسهم المسؤولين لمؤهلين لجيش لتحرير
الوطني، بما فيه الولايات لقد كانوا على كل حل، يتوفرون على قوة ضاربة
معتبرة، ألا وهي جيش التحرير الوطني الموجود على الحدود الشرقية والغربية
والذي كان يصل تعداده إلى 24000 رجل في 1962. لكن أعضاء قيادة الأركان لم
يكتفوا بالاعتبارات العسكرية لوحدها. فقد كانوا يريدون الذهاب إلى أبعد من
ذلك وذلك بدخولهم غمرة المنافسة السياسية فحاولوا في هذا السياق إقامة
تحالفات مع بن بلة وبوضياف وخيذر وبيطاط، المسجونين حينها، لتعويض الشرعية
التاريخية التي كانوا يفتقدون إليها. أرسلت قيادة الأركان في هذا الشأن
عبد العزيز بوتفليقة إلى «شاتودونوا» ليعرض على القادة التاريخيين
المحبوسين، كونهم أعضاء في الحكومة المؤقتة وفي المجلس الوطني للثورة
الجزائرية، وجهة نظر قيادة الأركان حول طبيعة الأزمة وكيفية حلها. وقد
اقترحت قيادة الأركان من أجل ذلك إنشاء مكتب سياسي لجبهة التحرير الوطني
وإعداد برنامج سياسي؛ تبنى بن بلة وخيضر وبيطاط خطة قيادة الأركان، وعلى
العكس من ذلك فإن بوضياف، حليف كريم، قد رفضها(1).

وبهذه
الكيفية عقد التحالف بين بن بلة وقيادة الأركان. وقد سمح هذا التحالف
لبومدين بالحصول على غطاء سياسي له وزنه للتغلب على الحكومة المؤقتة
وتهيئة شروط الاستيلاء على الحكم بعد إعلان الاستقلال.

كانت
قيادة الأركان مدركة قوتها العسكرية والتأثير السياسي لتحالفها مع بن بلة،
وهو ما شجعها على الإعلان عن استعدادها بعد الاستقلال لمعارضة تطبيق أحكام
اتفاقيات إيفيان التي كانت تتناقض مع مبادئ الثورة.

لقد
تعقدت الأزمة التي كانت في أوجها، نظرا لكون قادة جبهة التحرير الوطني
وأعضاء الحكومة المؤقتة وأعضاء قيادة الأركان وأعضاء المجلس الوطني للثورة
الجزائرية كانوا ينتمون إلى تيارين فكريين متناقضين.

فالبعض،
مثل فرحات عباس (وأصدقائه في EX.UDMA) وبن خدة وأصدقائه المركزيين وكريم
وبوصوف وبن طوبال فضلا عن قادة تاريخين آخرين، كانو متأثرين بنمط الحياة
الغربي المتميز خاصة اللائكية والفردانية والتحرير الاقتصادي. فجهاز جبهة
التحرير الوطني والحكومة المؤقتة الذي تشرف عليه الثلاثية كان بين أيدي
المفرنسين.

وأخرون،
مثل بن بلة وخيذر وعدد كبير من أعضاء المجلس الوطني للثورة الجزائرية،
وأعضاء قيادة الأركان، وطاهر زبيري (قائد الولاية الخامسة)
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى