الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:
فهذه نصيحة إلى إخواننا وأخواتنا الّذين رضُوا بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمّد نبيّا ورسولا، ثمّ بالعربيّة لغةً ولسانا.
لغة نزل بها القرآن العظيم، ونطق بها النبيّ المصطفى الأمين صلّى الله عليه وسلّم ..
نصيحة إليهم كي يجتنبوا التّحدّث بغير اللّغة العربيّة فصيحها أو عامّيتها قدر الإمكان، فيكفي أنّ الحاجة والضّرورة تقودنا إلى التحدّث بغيرها في كلّ مكان.
وإنّه لمّا كان " اللّسان العربيّ شعار الإسلام وأهله، واللّغات من أعظم شعائر الأمم الّتي بها يتميّزون "[1]، كان سلف هذه الأمّة في قمّة الحزم والصّرامة، حين كرهوا الكلام بغير العربيّة على وجه الاعتياد والدّوام، ولغير حاجة أو ضرورة.
* آثار وأقوال أهل العلم
- انظر إلى ما رواه عبد الرزّاق في " المصنّف "[2] عن عمر رضي الله عنه، ورواه ابن أبي شيبة عن عطاء[3] قالا:
" لاَ تَعَلَّمُوا رَطَانَةَ الأًعَاجِمِ، وَلاَ تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ كَنَائِسَهُمْ، فَإِنَّ السَّخَطَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ "..
- وروى أيضا عن محمّد بن سعد بن أبي وقّاص أنّه سمع قوما يتكلّمون بالفارسية فقال:" ما بال المجوسيّة بعد الحنيفيّة ؟! "[4].
- بل قال الإمام مالك فيما رواه ابن القاسم عنه:" لا يُحرِم بالأعجميّة، ولا يدعو بها، ولا يحلف "[5].
- وقال الشّافعي رحمه الله - فيما نقله عنه أبو طاهر السّلفيّ -:
" سمّى الله الطّالبين من فضله في الشّراء والبيع ( تجّارا ولم تزل العرب تسمّيهم التجّار، ثمّ سمّاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بما سمّى الله به من التجارة بلسان العرب، والسّماسرة اسم من أسماء العجم، فلا نحبّ أن يسمّي رجلٌ يعرف العربية تاجرا إلاّ تاجرا، ولا ينطق بالعربية فيسمّي شيئا بأعجمية، وذلك أنّ اللّسان الّذي اختاره الله عزّ وجلّ لسان العرب، فأنزل به كتابه العزيز، وجعله لسان خاتم أنبيائه محمّد صلّى الله عليه وسلّم.
ولهذا نقول: ينبغي لكلّ أحد يقدر على تعلّم العربية أن يتعّلمها؛ لأنّه اللّسان الأَوْلَى بأن يكون مرغوبا فيه من غير أن يحرم على أحد أن ينطق بأعجميّة "[6].
- وقال ابن تيمية رحمه الله[7]:
" وما زال السّلف يكرهون تغيير شعائر العرب حتّى في المعاملات، وهو ( التكلّم بغير العربية ) إلاّ لحاجة، كما نصّ على ذلك مالك والشّافعي وأحمد.
بل قال مالك: من تكلّم في مسجدنا بغير العربيّة أُخرج منه.
مع أنّ سائر الألسن يجوز النّطق بها لأصحابها؛ ولكن سوّغوها للحاجة، وكرهوها لغير الحاجة، ولحفظ شعائر الإسلام؛ فإنّ الله أنزل كتابه باللّسان العربيّ، وبعث به نبيّه العربيّ، وجعل الأُمّة العربيّة خير الأُمم، فصار حفظ شعارهم من تمام حفظ الإسلام " اهـ
- وقال رحمه الله في " اقتضاء الصّراط المستقيم "[8]:
" وأمّا اعتياد الخطاب بغير اللّغة العربية - الّتي هي شعار الإسلام ولغة القرآن - حتّى يصير ذلك عادة للمصر وأهله، أو لأهل الدّار، أو للرّجل مع صاحبه، أو لأهل السّوق، أو للأمراء، أو لأهل الدّيوان، أو لأهل الفقه، فلا ريب أنّ هذا مكروه، فإنّه من التشبّه بالأعاجم، وهو مكروه كما تقدم.
ولهذا كان المسلمون المتقدّمون لمّا سكنوا أرض الشّام ومصر ولغةُ أهلِهما روميّة، وأرضَ العراق وخراسان ولغةُ أهلهما فارسيّة، وأهل المغرب ولغة أهلها بربرية، عوّدوا أهل هذه البلاد العربيَّةَ حتّى غلبت على أهل هذه الأمصار، مسلمِهم وكافرِهم.
وهكذا كانت خراسان قديما، ثمّ إنّهم تساهلوا في أمر اللّغة واعتادوا الخطاب بالفارسيّة حتّى غلبت عليهم، وصارت العربيّة مهجورةً عند كثير منهم.
ولا ريب أنّ هذا مكروه، وإنّما الطّريق الحسن اعتيادُ الخطاب بالعربيّة حتّى يتلقّنَها الصّغار في الدّور والمكاتب، فيظهر شعارُ الإسلام وأهله، ويكون ذلك أسهلَ على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنّة، وكلامِ السّلف.
بخلاف من اعتاد لغة ثمّ أراد أن ينتقل إلى أخرى، فإنّه يصعب عليه .."اهـ.
* لمـاذا ؟
كلّ ذلك - أخي القارئ - لأنّ الظّاهر يؤثّر على الباطن كما هو مقرّر في الشّريعة، فلا يتحدّث المرء بلغة قوم ولا تلزمه إلاّ إذا لزمته وعلِقت به أفكار أهلها ومبادئُهم.
- قال يحيى بن معاذ رحمه الله:" القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها ".
وقد صفّق النّاس حتّى اهتَرَت أيديهم، وأثنوا حتّى بُحّت أصواتهم، عندما قال ديكارت الفيلسوف المعروف: ( إنّ اللّغة تؤثّر على الفكر )، مع أنّ علماءنا صرّحوا بذلك قبله بزمن، قال شيخ الإسلام رحمه الله:
" واعلم أنّ اعتياد اللّغة يؤثّر في العقل والخلق والدّين تأثيرا قويّا بيِّناً، ويؤثّر أيضا في مشابهة صدر هذه الأمّة من الصّحابة والتّابعين، ومشابهتُهم تزيد العقل والدّين والخلق.
وأيضا فإنّ نفس اللّغة العربيّة من الدّين ومعرفتها فرض واجب، فإنّ فهم الكتاب والسنّة فرضٌ، ولا يُفهم إلاّ بفهم اللّغة العربيّة، وما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب، ثمّ منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية ... "اهـ[9]
لذلك ما زال العلماء ينكرون التحدّث بغير العربيّة من غير حاجة، ويعدّون ذلك ذلك من الأخطاء الشّنيعة.
وها هو الشّيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله، ذكر في " معجم المناهي اللّفظيّة " أنّ من أنواع الألفاظ الّتي ينبغي إزالتها والبعد عن حياضها:
" مصطلحات إفرانجية، وعبارات وافدة أعجميّة، وأساليب مولّدة لغة، مرفوضة شرعاً، وحمَّالة الحطب في هذا صاحبة الجلالة: ( الصّحافة )، فَلِجُلِّ الكاتبين من الصّحفيين ولعٌ شديد بها، وعن طريقهم استشرت بين المسلمين " اهـ.
* الخاتمة – نسأل الله حسنها –:
فأدعو إخواني وأخواتي أن نفتح صفحة جديدة في حياتنا مع اللّسان، فنعوّده الكلام بلسان النبيّ العدنان، ونُجّنّبه اللّسان الأعجميّ إلاّ لحاجة، فمن عجز فليعلم أنّ في العامّية غُنية عن الأعجميّة.
والحقُّ – والحقَّ أقول إن شاء الله – أنّنا منذ زمن ونحن نحثّ النّاس على أن يتحدّثوا باللّغة الفصيحة، ونقول لهم ( قل كذا، ولا تقل كذا ) ... ولكنّنا في أيّامنا هذه، نقول لهم:
تكلّموا بأيّ لهجة .. وعلى أيّ وجه .. على أن تكون عربيّة الأصل، ونظير هذه الصّيحة صيحة الشّيخ أحمد بن الهاشميّ في " البصائر " العدد 8 ص 1، حيث كتب مقالا بعنوان: ( بعد غربة اللّغة العربيّة أصبحنا نخشى على اللّغة الدّارجة !).
واعتبر رحمه الله الكلام بما ليس أصله عربيّا هو نفاق جديد طفا على سطح المجتمع العربيّ.
والله المستعان، وعليه التّكلان.