[right]
الرباطـ فاطمة الزهراء العزيز: تشكل النساء بالجزائر قوة ديمغرافية ضاغطة جداً، إذ يمثلن زهاء نصف العدد الإجمالي للسكان بالجزائر بما مجموعه 14 مليوناً و445 ألف امرأة (49.5 بالمائة) وفق الإحصاءات الرسمية للبلد.
غير أن هذه القوة الديمغرافية للنساء لا يوازيها حضور بارز لهن- مثلما الأمر في أغلب الدول العربية- على الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وتعكس ذلك الأرقام التي كشفت عنها إحدى أوراق العمل الجزائرية التي قدمت خلال ورشة العمل الإقليمية حول: النوع الاجتماعي والتحول الديمقراطي في الوطن العربي في مارس من سنة 2002.
هذه الورقة أشارت إلى أن عدد النساء العاملات في الجزائر لا يتجاوز 697 ألف و283 امرأة أي بنسبة 12.18 في المائة، وأن عدد النساء غير العاملات خارج المنزل وصل إلى295 ألف وفق إحصائيات سنة2000، فضلاً عن أن عدد النساء اللاتي يشغلن مناصب عليا في الدولة لا يتجاوز 108 حسب إحصائيات 1995.
ويؤشر على ذلك وجود زهاء 20 امرأة في المجلس الوطني الشعبي بغرفتيه لسنة 1997، مقابل حضور متدرج في المجالس البلدية والولائية، إذ بلغ عدد النساء المنتخبات 165 امرأة من أصل 1970 منتخباً في المجلس الولائية لسنة 1997، فضلاً عن حضور متوسط في التشكيلات الحكومية منذ الاستقلال، إذ تشير الإحصائيات التي تضمنتها ورقة العمل سالفة الذكر إلى تقلد 12 امرأة لمناصب حكومية منذ الاستقلال وحتى سنة 2002.
هذا المنحى الإيجابي بدأ يتعزز رويدا رويداً بعد الدعوات التي انطلقت داخل الجزائر من قبل هيئات المجتمع المدني بهدف الوصول إلى ترجمة واقعية لتوصيات الأمم المتحدة ومقررات بكين بشأن ضرورة رفع مشاركة المرأة إلى مابين 30 إلى 33 بالمائة أو سمي لاحقاً بالحصص.
وبالعودة إلى ورقة العمل نفسها نجد أن الإحصائيات الرسمية للمرأة بالجزائر تشير إلى وجود ما يقرب من 4.5 مليون أمية أي ما يمثل 63 بالمائة من مجموع السكان بالجزائر وذلك سنة 1998.
وتظل قضية الأحوال الشخصية بالجزائر أبرز القضايا التي استرعت الاهتمام خلال السنوات الأخيرة الماضية، وجيشت الشارع الجزائري سواء السياسي منه أو العام الذي انقسم إلى أطياف متعددة.
ووضعت الجزائر من ثم أمام خيار صعب تمثل في الملف الساخن المتعلق بإدخال تعديلات على قانون الأسرة الجزائري.
وقد أخذ هذا الملف مساراً طويلا وشاقا انقسم بشأنه المجتمع الجزائري بين مؤيد ومعارض، امتد من سنة 1984 حيث صدور أول قانون للأحوال الشخصية بالجزائر وحتى مارس من السنة الجارية، وهو الشهر الذي شهد المصادقة النهائية للبرلمان الجزائري على التعديلات الجديدة التي أدخلت على قانون الأسرة الجزائري.
وكانت أولى الندوات التي عقدت بالجزائر لمناقشة قانون الأسرة تلك نظمها المجلس الإسلامي الأعلى سنة 1999، وهي الندوة التي انتهت بإصدار توصيات كان أبرزها التوصيات التالية أن الإسلام باعتباره دين الدولة لا يمنع من ترقية القوانين والأفكار الخاصة بالمرأة الجزائرية في سير البلاد، وأن قانون الأسرة هو قانون وضعي مستوحى من الشريعة الإسلامية، وكل قانون وضعي يخضع للاجتهاد.
وأنه لا بد من إعطاء الأولوية للمرأة فيما يتعلق بالتكفل بالاقتصاد المنزلي وترقيته مما يمكنها من حماية شخصيتها، وتحديد الإجراءات الاجتماعية لصالح المرأة العاملة، خصوصاً عطلة الأمومة، والتذكير بحق المرأة في العمل ضمن قانون الأسرة، وتحديد كل حالات التكفل بالطفل قصد السماح للمرأة بالعمل.
وفي الميدان ما قبل المدرسي تراعي خصوصيات المرأة العاملة مع حقوق الطفل، وإعطاء إمكانيات للمداومة المدرسية وتكوين المساعدات لما قبل التمدرس، وتكوين مساعدات اجتماعية ومساعدات في الميدان التربوي وهذا لمصلحة الطفل وحمايته، ووضع قوانين لقمع التحرش الجنسي في جميع الميادين وعلى جميع المستويات، والحرص على تطابق مبادئ حقوق الإنسان داخل الأسرة مع النصوص الدستورية.
وأثارت بعض مواد قانون الأسرة والتعديلات المرتبطة به جدلاً واسعاً بين التيارات الإسلامية والعلمانية وباقي التيارات الأخرى، خصوصاً المواد 8/11/52/48 والمتعلقة أساساً بتعدد الزوجات والولي لدى الزواج والطلاق وسكن الحاضنة بعد الطلاق وما مدى مطابقة هذه التعديلات للنصوص الشرعية والاجتهاد الفقهي الإسلامي أو مجاراتها للتشريعات الدولية والتوصيات العالمية.
وقد انتهى مسلسل هذا الجدال الساخن بالمصادقة على قانون الأسرة الجديد في وهو القانون الذي أثار جدلاً في صيغته الأولى التي تلغي شرط الولي في عقود الزواج.
وقد رفضت النسخة الأولى من مشروع القانون من قبل المعارضة ومن داخل الحكومة ممثلة في حركة مجتمع السلم (حمس) وجزء مهم من نواب حزب جبهة التحرير الوطني ووزرائه في الحكومة.
وقد تراجعت الحكومة أمام الرفض، وتم تعديل مشروع القانون بتثبيت شرط الولي في عقود الزواج.
ويعطي قانون الأسرة الجديد الزوجة المطلقة الحاضنة - وفق ما نقلته المصادر الإعلامية - حق المسكن.
كما يعزز حقها في طلب التطليق لحمايتها من تعسف الزوج، ويضع شروطا قوية أمام تعدد الزوجات حيث يقرن حق الرجل في ذلك بموافقة الزوجة الأولى، ويرجعه إلى رأي القاضي الذي يتحقق من الموافقة ومن توفر شروط العدل المنصوص عليها في القرآن.
ورغم هذا التقدم الحاصل في مجال التشريع الأسري بالجزائر وغيره من الدول العربية، فإن ذلك كله يستلزم إرادة قوية لتطبيقه على أرض الواقع بشكل يكفل للمرأة حقوقها ويوعيها بواجباتها انسجاماً مع الهوية الإسلامية المحضة
[/right]