إذا رأيت المدّ الإسلامي قادمًا فلا تفتكر أنّه جاء مُسَلّمًا




المدّ الإسلامي الزّاحف على البلدان العربية، التي شهدت أنظمتها موجة التغيير، لا يمكن تصنيفه إلا في خانة التحوّل الصحّي الذي كان لابد أن حصل قبل هذا الوقت حسب منطق أمر الواقع. فالثّورات العربية -كما يحلو لمن يقف وراءها تسميّتها – أثبتت بأن معنى التغيير في مفهوم الشّعوب العربية هو العمل على التخلص من التيارات الحاكمة والسّعي لإزاحة الإيديولوجيات الموجودة في سُدّة الحكم وتسليم السلطة للإسلاميين الذين أثبتوا في أكثر من مناسبة بأنهم يطمحون لقيادة هذه البلدان، وما النتائج التي أفرزتها الانتخابات التي عرفتها كل من تونس ومصر والمغرب لأكبر دليل حي على رغبة هذه الشّعوب في وضع إطار جديد للحكم يفرض من خلاله التوجّه السياسي الجديد.
فالطّرح الحاصل على مستوى مخابر الأنظمة التي ترى بأن زحف الإسلاميين إلى الحكم، أصبح تحصيل حاصل ونتيجة حتمية لحراك سياسي أملته الظروف وفرضته التحوّلات "الجيوسياسية" التي يعرفها العالم، يبقى بعيدا عن الحقيقة المتسترة التي تفرض علينا البحث عن القراءة السليمة والصحيحة لما يحدث والاجتهاد في بلوغ التّوافق لجعل تطابق الأحداث الماضية مع ما يحدث الآن وإسقاط النّتائج التي حصلت مع ما تخبّئه لنا الأيام القادمة من مفاجآت، النقطة التي تعيدنا إلي بداية الطريق والمسار الذي كان قبل اليوم اللّجام الذي ربطت به الفرس.
فالتجارب الماضية التي عرفتها الدول العربية منذ الإمارة الإسلامية إلى مرحلة التأسيس لدول حديثة والتي تشترك مع ما يحدث الآن من تحوّل في معادلة الحكم، المعامل الثابت فيها هو حكاية الإسلاميين مع السّلطة، تفرض علينا فتح العديد من الأقواس بدون غلقها والغوص في أعماق ونوايا من يحركون خيوط اللّعبة لتحديد الخيط الأبيض من الخيط الأسود ومعرفة أين نضع أرجلنا من هذا المستنقع كما يقول المثل، فالديمقراطية التي تؤخذ على جرعة واحدة كما كانت تراها الجبهة الإسلامية للإنقاذ المُحلة عندنا قبل سنوات، لا تختلف عن الديمقراطية التي تنسجها الأنظمة الغربية معتمدة في أساسها على من كان محظورا ومحلّ مساومة ومقايضة ومصنّف في خانة العنصر الذي يهدّد أمن الدول التي ينتمي إليها أو الدول التي تراه يهدد مصالحها في تلك الدولة، وكأن ضمير من نصّبوا أنفسهم حماة للديمقراطية وحقوق الإنسان، قد استفاق وأن من كان مجرمًا قد أصبح الضحية ولا بد من إعادة الاعتبار له وتسليمه السلطة.
هكذا أراد أسياد العالم أن يكون الضّحك على أذقاننا، وبهذه الطريقة كُتب لنا أن نحيا وأن نعيش أحرارا في بلداننا، وفق منطق "لا ترون إلا ما أريكم أنا ولا سلطة إلا لمن نوصله نحن إليها".