المدرسة الفقهية بمازونة Aljazeera_403889479

 اشتهرت مازونة بولاية غليزان منذ القدم بمدرستها الدّينية المختصة في الدّراسات الفقهية، والّتي عرفت بكثرة مجالسها ونجابة طلبتها، وقريحة أشياخها. ويعتبر محمد أبو طالب بن عبد الرّحمن من أشهرهم على الإطلاق، ولاتزال عائلة هني بمازونة تحتفظ بشجرته الشّريفة.
وقد التحق الشّيخ أبو طالب بالرّفيق الأعلى عام 1233هـ عن عمر ناهز 130 سنة، حيث تعلّم مبادئ القراءة وحفظ القرآن الكريم عن والده محمّد بن عبد الرّحمن بمدرسة مازونة الّتي أسّسها جدّه الأعلى محمّد بن شارف سنة 1029هـ.
وتتكوّن هذه المدرسة من جامع للصّلاة، وأمكنة لإيواء طلبة الفقه، وبعض المواقف التابعة له. وكانت مدرسة مازونة الفقهية هذه متخصّصة في العلوم الدّينية والفقه وأصوله، وتفسير القرآن، وعلوم الحديث النّبويّ، ودرّس بها الشّيخ محمّد أبو طالب مدّة 64 سنة، وبعد وفاته خلفه نجله من أب لابن، وقد ساهمت ذرّيته في محاربة الإسبان. وفي هذا المجال أكّد لنا السيد بن عليّ هني، أحد أفراد عائلة مؤسس هذه المدرسة الفقهية، أنّه بعد طرد الإسبان وتكريمًا له، بنت الدّولة العثمانية للشيخ مدرسة لتعليم الفقه بمازونة، والّتي لاتزال تحتفظ بجزء من كتاب “صحيح مسلم” أهداه الباي عثمان سنة 1212هـ لشيخ المدرسة آنذاك، كما تتواجد بها خزانة تزخر بزهاء 300 مخطوطة يدوية في حالة جيّدة، منها ستة أجزاء كبيرة من شرح “صحيح البخاري ومسلم”، كما تحتوي على مقعد أثري عمره أزيد من ثلاثة قرون لايزال في حالة جيّدة، أهداه باي معسكر لشيخ مدرسة مازونة. وفي هذا الشأن بيّن لنا بن عليّ هنّي أنّ الطلبة حملوا هذا الكرسي من معسكر إلى مازونة مشيًا على الأقدام قاطعين مئات الكيلومترات عام 1700م.
وتخرّج من مدرسة مازونة الفقهية عدّة علماء أجلّاء من داخل الوطن وخارجه، أشهرهم: أبوراس الناصري العسكري صاحب المؤلّفات الّتي تجاوزت المائة، وصاحب كتابي: “عجائب الأسفار” و«الحلل السندسية”، وكذا محمّد بن عليّ السّنوسي، عدّة بن غلام الله، محمّد الميسوم، أحمد بن شارف وغيرهم.
ويروي التّاريخ أنّه لمّا وقعت وهران تحت الغزو الصّليبي الإسباني، قام الباي التركي محمّد الكبير، باي معسكر في ذلك الوقت، بوضع العلماء في طليعة المحاربين، ومساهمتهم في الجهاد بأنفسهم لا بالقلم فقط. وهو ما شجّع الجنود على الاقتداء بهم والارتماء في أحضان المعركة، وكانت النّتيجة تحرير وهران.
بعد وفاة شيخ مدرسة مازونة سيّدي هنّي في معركة مسرغين بالضّبط في المكان المسمّى أبو هنّي الواقع ما بين منطقتي سيق والمحمدية، خلفه في التّدريس أبناؤه من بينهم: سيّدي امحمّد الحاج هنّي، محمّد بوراس، محمّد بن عبد الرّحمن الكبير، وولد الشّيخ هنّي محمّد بن عبد الرّحمن الصّغير.. هؤلاء رحمهم الله جميعهم جعلوا مدرسة مازونة تشعّ أنوارها بالعلم أبًا عن جد.